التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم من حولنا تؤكد أن الجيوش الوطنية تعد أهم دعامات بناء الدول.
فلم يعد دور القوات المسلحة في معظم الدول المتقدمة يقتصر على المهام السيادية المتعارف عليها، بل امتد ليشمل مهام أخرى خلال الأزمات والكوارث.
تمثل صمام الأمان وطوق الإنقاذ للشعوب في منعطفات عديدة؛ كان أهمها تفشي جائحة "كوفيد ـ 19"، والزلازل وغيرها من التحديات التي تحتاج إلى عمل مؤسسي منظم على نطاق واسع وجهد وطني كبير.
من هذا المنظور يمكننا إدراك الوعي الاستراتيجي الفطري وبعد النظر والقدرة على استشراف المستقبل، الذي تميز به القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ـ طيب الله ثراه ـ حين اتخذ قرار توحيد قواتنا المسلحة في السادس من مايو 1976 تحت قيادة مركزية واحدة وعلم واحد، مكملاً بذلك البناء الاتحادي، ومحصّناً إياه من الأطماع الخارجية ويوفر للدولة الوليدة ـ وقتذاك ـ القدرة على صون مكتسباتها والحفاظ على أمنها واستقرارها.
هذا القرار التاريخي والاستثنائي، في تقديري، لا يقل أهمية عن قرار تأسيس دولة الاتحاد، بل يمثل التأسيس الثاني لدولتنا الفتية، حيث جاء لترسيخ أسس الاتحاد وتثبيت أركانه وجذوره وتعزيز مسيرته المباركة، انطلاقاً من قناعة سامية ووعي رشيد بأنه لا قوة ولا منعة ولا تنمية دون جيش موحّد قوي، قادر على حماية الأرض والأمن والمكتسبات، وداعم لمسيرة التنمية والتحديث والبناء.
لقد شكل قرار توحيد قواتنا المسلحة التاريخي الأساس الصلب الذي انطلقت منه مسيرة التطوير والتحديث التي شهدتها هذه القوات ونقطة الانطلاق لكل ما تحقق بعد ذلك من إنجازات حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من تطور واحترافية وكفاءة يشهد بها القاصي والداني.
وخلال العقود الخمسة الماضية أثبتت قواتنا المسلحة أنها ليست فقط درعًا وسيفًا لصون المكتسبات والمقدّرات، بل كذلك رمزًا للاتحاد وقوته ومكانته وهيبته بين الدول، وأيقونة للشجاعة والتضحية ومدرسة للوطنية ومصنعًا للرجال، الذين يقودون مسيرة التنمية في مختلف قطاعاتها.
وأثبتت قواتنا المسلحة خلال مشاركاتها في مهام خارجية طيلة السنوات الماضية، فضلاً عن الكفاءة العملياتية والقتالية المشهود بها إقليمياً ودولياً، عمق الرسالة الإنسانية التي تحملها وتجسدها بكفاءة وفاعلية تعكس أصالة شعب الإمارات وعمق القيم والمبادئ التي يؤمن بها ويحرص على الدفاع عنها، لما لهذه القيم من رمزية تجعل القيم والإمارات وجهين لعملة واحدة، تميز هذا البلد الطيب والشعب الأصيل.
إذا كانت دولة الإمارات تنموياً ومعرفياً قد ارتقت إلى الفضاء، والتحقت بركب الدول المتقدمة التي تتنافس على استكشاف المريخ وارتياد الفضاء والاستفادة مما يوفره هذا المجال الحيوي من فرص مستقبلية واعدة، فإن قواتنا المسلحة كما نراها تمضي في خططها المستقبلية وتحرص بشكل مكثف على مواكبة خطط الدولة وطموحاتها التنافسية في مختلف المجالات، حيث تُراكم قواتنا المسلحة مصادر القوة والمعرفة الحديثة، ولا تقتصر في ذلك على العتاد المتطور بل تأخذ بأحدث نظريات العلوم العسكرية والعقائد القتالية، وتزود أفرادها بكل ما يحتاجه المقاتل العصري من معارف وعلوم وتقنيات حديثة.
إن التحديات الاستراتيجية المتزايدة التي يموج بها العالم، واللحظة التاريخية الفارقة التي تشهد الكثير من مظاهر عدم الاستقرار الدولي، والتهديدات التقليدية وغير التقليدية، كل ذلك يعزز دور قواتنا المسلحة ويضع على كاهل أبنائها، المزيد من الأعباء والمسؤوليات للحفاظ على مكتسباتنا وأمن وطننا وشعبنا، والاسهام القوى الفاعل في حماية أمن الأشقاء والحفاظ على الاستقرار الاقليمي والدولي.
ولا شك أن تعاظم الطموحات التنموية والتنافسية لدولة الإمارات يتطلب ضرورة تعزيز قدرات قواتنا المسلحة كي تتمكن من مسايرة هذه الطموحات وتحقيق الأهداف التي تكلف بها على الصعد والمستويات كافة.
في الذكرى السابعة والأربعين لتوحيد القوات المسلحة، يقف كل أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها فخورين بما قدمته القوات المسلحة من بطولات، وما أدته من أدوار في الداخل والخارج بكل كفاءة واحترافية وإتقان، آمنين على حاضرهم ومستقبلهم، لأن القوات المسلحة التي تمثل أحد أهم مظاهر قوة دولتنا وتقدمها وتطورها، ورمزاً لعزة الإمارات وكبريائها وقيمها ومبادئها.
ستظل القوات المسلحة درع الوطن وسيفه في مواجهة كل من يفكر في النيل من الأمن الوطني، أو تهديد مصالح الإمارات الاستراتيجية، وستبقى الحارس الأمين على المكتسبات التنموية التي تحققت، وتلك التي ستتحقق في المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة