أزمة معلمي فلسطين المطالبين بحقوق مادية تصاعدت فيما لجأت الأجهزة الأمنية للاعتقالات في محاولة للسيطرة على الموقف
خرج عشرات الآلاف من المعلمين الفلسطينيين إلى الشارع مطالبين بإنصافهم ومساواتهم بموظفي مختلف وزارات الحكومة، التي لوحت لهم بالإجراءات العقابية حال لم يعودوا إلى مدارسهم ويلتزموا الدوام الرسمي، فزاد ذلك من سخط المعلمين، وتفجر غضبهم خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي في مدينة رام الله الثلاثاء الماضي.
ما هي إلا ساعات قليلة على انتهاء التحرك النقابي الأكبر في الساحة الفلسطينية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، حتى دخلت الأجهزة الأمنية على خط الاحتجاجات النقابية، واعتقلت حوالي 30 معلماً، من المحسوبين على حركة حماس، التي اتهمها رئيس الاتحاد العام للمعلمين أحمد سحويل بتسييس احتجاجات المعلمين في الضفة الغربية.
لم تزد الاتهامات بتسييس الفعاليات المعلمين، إلا إصراراً على مطالبهم النقابية وقرروا برنامج خطواتهم الاحتجاجية بعيداً عن الاتحاد العام للمعلمين، الذي اتهموا رئيسه بالوقوف إلى جانب الحكومة، على حساب حقوقهم، وطالبوا بإقالته والأمانة العامة للاتحاد.
مطالب نقابية
ويطالب المعلمون بتحقيق مطالبهم التي اتفقوا عليها مع الحكومة في عام 2013، والمتمثلة بفتح باب الدرجات، وصرف علاوة غلاء المعيشة، وصرف 5% من الراتب بأثر رجعي من تاريخ يناير 2014، فضلاً عن مطلب إقالة رئيس اتحاد المعلمين والأمانة العامة للاتحاد.
وأكد المعلمون عدم التراجع عن الاحتجاجات إلا بعد تحقيق مطالبهم كافة، رافضين كل محاولات شق الفعاليات النقابية، ومحاولة الزج بها في أتون الصراعات السياسية، وشددوا أن زمن الخوف قد ولى ، رافعين شعار " ليكن ربيع المعلم الفلسطيني".
رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، أكد احترام حكومته بشكل مطلق وكامل، للحقوق النقابية للمعلمين، بما فيها الحق في الإضراب وفق القانون، ولكن هناك فرقا جوهريا بين حق المعلمين المشروع للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وبين اتخاذ خطوات غير نقابية ومسيسة.
وعبر وزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم، عن تفهم وزارته لمطالب المعلمين وأمله في تحقيق أفضل الظروف لهم، داعياً المعلمين والمعلمات إلى العودة إلى الدوام وانتظام الدراسة، تجنباً للتبعات السلبية على المسيرة التعليمية والتي تواجه تحديات جمة.
ووصف صيدم إضراب المعلمين بأنه "زلزال" وله هزات ارتدادية على صعيد العملية التعليمية.
ويعمل في سلك التعليم بالضفة الغربية حوالي 44 ألف معلم، ينتشرون في أكثر من 1600 مدرسة حكومية.
موازنة التعليم
وطالب صيدم برفع ميزانية التربية والتعليم لتكون الأعلى في ميزانية الحكومة، لافتا الى أن الاضراب يتسبب بإضاعة 120 حصة يومية على الطلبة.
ويستحوذ قطاع التعليم على نسبة 18% من موازنة الحكومة الفلسطينية لعام 2016، المقدرة بأربعة مليارات وربع المليار دولار، فيما يستحوذ قطاع الأمن على نسبة 27 من الموازنة.
ويقول الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم: إن متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاع الأمني يفوق نظيره في القطاع المدني.
وأكدت الحكومة في بيان، أنها تولي اهتمامها الأول لتحسين أوضاع المعلمين والمعلمات، مشيرةً إلى خطوات جدية اتخذتها لإعمال حقوقهم والاستجابة لمطالبِهِم العادلة.
وتابعت " أنها وقعت مع اتحاد المعلمين في العام 2013، اتفاقاً مهماً لتحسين أوضاع المعلم، ولم يتبق إلا 2.5% من زيادة نسبة علاوة طبيعة العمل المتفق عليها بواقع 10% في حينه، سيتم صرفها في أوائل شهر إبريل المقبل، كما تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح التدرج بالفئات الأولى فما دون، وإلغاء أدنى مربوط الدرجة، وبهذا تكون الحكومة قد أنجزت 91% من اتفاقها مع اتحاد المعلمين.
حراك مستمر
أمين سر اتحاد المعلمين السابق في محافظة نابلس، شمالي الضفة الغربية، عصام دبابسة، أكد أن فعالياتهم النقابية مستمرة حتى تحقيق مطالبهم جميعاً، والإفراج عن كل المعتقلين على خلفية الفعاليات النقابية.
وقال دبابسة لبوابة "العين"، مطالبنا واضحة، ونريد من الحكومة تنفيذ بنود الاتفاق القديم وليس وعودات جديدة.
وأشار إلى استعداد المعلمين للالتحاق في ساعات ظهر اليوم، بمسيرات ستتجه نحو مكاتب وزارة التربية والتعليم في مختلف محافظات الضفة.
اعتقالات على وقع اتهامات
تحذيرات رئيس الحكومة ورئيس الاتحاد من تسييس الفعاليات النقابية، وجد صداه في حملة اعتقالات طالت حوالي 30 معلماً من مختلف محافظات الضفة الغربية، غالبيتهم من المحسوبين على حركة حماس الخصم الرئيس لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
حركة فتح عبرت من خلال المتحدث باسمها أسامة القواسمي، عن رفضها محاولات حماس تسييس الأمور المطلبية للمعلمين، ومحاولاتهم تخريب العام الدراسي برمته لأغراض حزبية، أو الانقلاب على الاتحاد العام للمعلمين.
حماس نقت اتهامات تسييس مطالب المعلمين، وأكدت عدالة مطالب المعلمين الفلسطينيين، داعية إلى احترام الحراك النقابي.
وقال الناطق باسم حماس سامي أبو زهري، إن حماس تدعو إلى احترام الحراك المهني النقابي.
وشدد عصام دبابسة على أن حراكهم نقابي مطلبي لا يوجد فيه أي توجهات سياسية أو حزبية، وأشار إلى رفضهم الاتهامات بتسييس الحراك النقابي للمعلمين.
وأكد دبابسة استمرار المعلمين في حراكهم النقابي حتى تحقيق مطالبهم كاملة، والإفراج عن كل المعتقلين.
وقف الاعتقالات
اعتقال أجهزة الأمن عشرات المعلمين، أثار غضب القطاعات السياسية والحقوقية والاجتماعية الفلسطينية، وأجج نار غضب المعلمين، الذين أكدوا استمرار فعالياتهم حتى تحقيق مطالبهم.
اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، طالب الأجهزة الأمنية بالوقف الفوري عن استدعاءات المعلمين على خلفية إضرابهم النقابي.
وقال في بيان له: إن قضية المعلمين لا يمكن حلها بتدخل الأجهزة الأمنية. وأضاف أن تسييس القضية مرفوض جملةً وتفصيلاً.
واستنكر حزب الشعب في بيان له، حملة اعتقالات في صفوف المعلمين، وطالب بالإفراج الفوري عنهم.
واعتبر أن التعرض للمعلمين يمثل مؤشراً خطيراً للسياق الذي تعمل بموجبه هذه الأجهزة مع التحركات الاجتماعية المطلبية، وتعديا صارخا على حرية العمل النقابي والرأي والتعبير.
كما أدان التجمع الديمقراطي للمعلمين الاعتقالات، ورفض الاتهامات التي وجهت إلى الحراك النقابي في أوساط المعلمين بالتسييس وخدمة أهداف خارجة عن مطالب المعلمين النقابية.
وقال التجمع: إن آلاف المعلمين يستحقون أن نسمع لصوتهم ونفتح حوارا جادا ومسؤولا معهم بدلا عن لغة الترهيب والمماطلة والاتهامات الباطلة.
من جانبها، طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، رئيس الوزراء، بضرورة الإفراج الفوري عن كافة المعلمين. ورأت أن حجز حرية المعلمين على خلفية وقفتهم هو مساس بحرية العمل النقابي.
وطالبت رئيس الوزراء بفتح حوار لمناقشة مطالب المعلمين المشروعة والوصول إلى نتائج لوقف تعطيل المسيرة التعليمية، مع ضمان حرية العمل النقابي والتعبير عن الرأي.
aXA6IDE4LjIxNi41My43IA==
جزيرة ام اند امز