يدهشني أحيانا موقف فنزويلا في مجلس الأمن الدولي من القضية الفلسطينية، وهي تُظهر اهتماما كبيرا بطرح الأمر أمام المجلس
يدهشني أحيانا موقف فنزويلا في مجلس الأمن الدولي من القضية الفلسطينية. فمنذ توليها الرئاسة الدورية للمجلس لشهر فبراير، وهي تُظهر اهتماما كبيرا بطرح الأمر أمام المجلس والمطالبة باتخاذ مواقف قوية ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية. سر الدهشة هو أن هذا التركيز يأتي في وقت تراجع فيه اهتمام العرب أنفسهم بالأمر ولم يعد يُطرح إلا في إطار بروتوكولي في البيانات الرسمية كنوع من تبرئة الذمة، بينما التركيز الآن على مشاكل أخرى أصبحت أكثر إلحاحا على أجندة أغلب الدول العربية مثل الحرب في سوريا والعراق وانهيار الدولة في اليمن وكذلك في ليبيا. وحتى في الدول الأكثر استقرارا فإنها تتعرض الآن لتحديات كبيرة أدت إلى تراجع ملموس في حجم الاهتمام الرسمي والشعبي بالقضية الفلسطينية.
في ظل هذه الأجواء تأتي فنزويلا لتستغل توليها رئاسة مجلس الأمن لتدعو لمناقشة القضية الفلسطينية أكثر من مرة في مجلس الأمن، في الخامس من هذا الشهر ثم السادس عشر وكذلك اليوم حيث يقدم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان تقريرا للمجلس بشأن توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي الفلسطينية وكيفية حماية الفلسطينيين. المسألة الأخيرة تحديدا لم يقدم فيلتمان بشأنها مقترحات جديدة في تقريره الأخير منذ يومين غير الحديث عن المراقبة والمساعدة القانونية، وهي أمور يتم أغلبها الآن ويتفق أغلب أعضاء المجلس على أنها غير كافية. لكن زيادة هذه الإجراءات واتخاذ قرارات أو خطوات عملية بشأنها تحول دونها عقبات كثيرة. ظهر ذلك في مشروع قدمته فنزويلا (أيضا) للمجلس على أمل أن يكون قرارا أو بيانا يحظى ببعض المصداقية، يعرب عن قلقه بشأن عمليات الهدم الأخيرة للبيوت الفلسطينية وتشريد سكانها ومصادرة نحو ٣٧٠ هيكتارا للأراضي في منطقة أريحا وإنشاء أو التوسع في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وقد حصلت فنزويلا على دعم بعض الدول الأعضاء مثل ماليزيا ونيوزيلاندا ومصر التي طالبت بلغة أقوى لرفض استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. لكن فنزويلا اضطرت لسحب مشروعها في نهاية الأمر بعد التعديلات التي طرحها الوفد الأمريكي على البيان وجعلت من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأنها. ورغم أنها تبدو خلافات تكنيكية بشأن بعض العبارات أو المصطلحات إلا أنها توضح إلى حد كبير أين تقف الدول الآن. فواشنطن مثلا عبّرت عن موقف مشابه لرفض الاستيلاء على الأراضي والتوسع في المستوطنات وهو الموقف الأمريكي التقليدي، لكنها استخدمت تعبير
and counterprodutive illegitimate بمعنى أنها غير مبررة أو لا تحظى بالشرعية وتأتي بنتائج عكسية بينما النص الأصلي للنسخة التي قدمتها فنزويلا استخدم تعبير illegal وهو أقوى في تصنيفها باعتبارها انتهاكا للقانون بشكل مباشر. ومع هذا فإن موقف إدارة أوباما يعد أقوى بكثير من إدارة بوش التي كانت تكتفي بتعبير "النتائج العكسية" وتتفادى الدخول في التعبيرات القانونية أيا كانت.
غير أن تعديلات واشنطن تضمنت عبارات أثارت أيضا خلافات بين أعضاء المجلس. فبينما عبر النص الفنزويلي عن قلقه العميق تجاه كل أعمال العنف، فإن التعديلات الأمريكية "تدين بقوة الهجمات الإرهابية التي أصابت وقتلت مدنيين إسرائيليين أبرياء" وعندما تعلق الأمر بالفلسطينيين استخدمت تعبيرا أخف عبر عن "القلق العميق بشأن القتلى والمصابين الفلسطينيين" دون أن يحدد القاتل أو يدينه. كما تجاهلت التعديلات الأمريكية الإشارة لمؤتمر مدريد أو المقترحات الفرنسية بعقد مؤتمر دولي للسلام كما ورد في النص الفنزويلي.
في كل الأحوال فإن الأجواء الدولية وفي واشنطن تحديدا تكاد تكون رفعت الراية البيضاء بالنسبة لأي جهود حقيقية للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتحدث البعض صراحة عن أن فرصة حل الدولتين تتضاءل مع الوقت وربما صارت مستبعدة.
ومع انشغال الجميع بقضايا صارت أكثر إلحاحا، فإن فنزويلا تصر على إبقاء الصدارة لهذه القضية ليس في بيانات إبراء الذمة ولكن بخطوات عملية في مجلس الأمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة