صعب جدا أن يكتب مثلى عن أستاذ بحجم محمد حسنين هيكل رحمه الله تعليقا على وفاته.
صعب جدا أن يكتب مثلى عن أستاذ بحجم محمد حسنين هيكل رحمه الله تعليقا على وفاته.. صعب لأن المقالات التى سطرت بالفعل أو تلك التى ينتظر نشرها كتبها من زامل الأستاذ، صحفيا كان أم سياسيا، أو تتلمذ على يده قراءة أو مشافهة أو اشتركا معه فى انتماء فكرى ناصريا كان أم قوميا.. ولست واحدا من هؤلاء.
الأصعب من ذلك هو انتمائى الفكرى حسب التوصيف الواقعى لفريق يفترض سواده الأكبر ــ أو هكذا أتخيل ــ أن هيكل تحديدا ينبغى ألا يذكر تحت أى ظرف ــ ولو كان تعليقا على وفاته ــ إلا فى سياق عداء تاريخى يطول شرح أسبابه.. الأدهى من ذلك أن الفريق الآخر حسب نفس التصنيف الواقعى يتربص سواده الأكبر ــ أو هكذا أتخيل أيضا ــ بكل كلمة تقال عن الأستاذ تخرج من غير معسكرهم.
هى نفس نظرتنا الحدية التى لا تسمح إلا برؤية أحد لونين الأبيض أو الأسود.. هو نفس تعصبنا الذى لا يقبل إلا بانحياز مطلق أو عداء تام.. وياللمفارقة أن يكون فى تنافرنا لمحة من تشابه!
ليس من السهل أن ينحت الإنسان لنفسه بقلمه اسما كالذى نحته هيكل.. وليس من السهل أن يختفى بريق كل الألقاب من دكتور ومفكر ووزير بل وحتى رئيس بجوار بريق لقب «الأستاذ»..
وليس من السهل أن يتحول الإنسان بكتاباته وآرائه ونفوذه وتأثيره وتحريكه لعظيم الأمور وإخفاقه فى مثلها إلى حالة من الجدل على مدى عقود من الزمان.. وليس من السهل أن يحوز كل هذا دون أن يكون متقنا لصنعته صبورا على تطويرها ذكيا فى استغلال عوائدها.. هل يحدث ذلك فى الميزان أثرا؟ أما الدنيا فمن توسط فاستفاد وصوب وانتقد وناقش ثم ترحم على الراحل ورجا عفو ربه فأزعم أنه قد أنصف.. وأما الآخرة فلها رب عادل لا يظلم الناس مثقال ذرة.
قرأت لهيكل.. وسأظل أقرأ.. وقرأت لمن هاجمه وانتقد نهجه.. وسأظل أقرأ أيضا.. أقبل من هيكل وأرفض.. وأرضى عن فكرة له وأسخط على أخرى.. وأنتقد بشدة، وأستحسن بقوة، وأسكت بحيرة.. تعجبنى لغته وأستاء من بعض منطقه.. وتجذبنى طريقة سرده وحكايته وقد يصدنى عنها بعض تصوراته.. هو ذاكرة حقيقية لحقبة ــ بل لحقب ــ شهدت تحولا محوريا فى دور مصر وتأثيرها وصراعاتها وأحلامها وانكساراتها.. باختصار هو ذاكرة أفصح عن بعضها فى كتاباته ولقاءاته.. صنعها هو أو شارك فى صياغتها.
أنا على يقين من أن بلادنا قد أنجبت من ماثل هيكل بل وتفوق عليه، إما كتابة أو رأيا أو منطقا أو تأثيرا، بعضهم اشتهر وبعضهم طواه النسيان.. لكن أحدا لم يبلغ ما بلغه الأستاذ فى الجمع بين كل هذا.
سأظل مختلفا معك مستمتعا بقراءتك منتقدا منطقك متفهما دوافعك.. ليرحمك الله يا أستاذ.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة