لا تنقص أنصار «حزب الله» والتيار الوطني الحر السينيكية للتقليل من أهمية قرار الرياض وقف مساعداتها للجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان
لا تنقص أنصار «حزب الله» والتيار الوطني الحر السينيكية للتقليل من أهمية قرار الرياض وقف مساعداتها للجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان. الحزب سارع إلى إصدار بيان تبرأ فيه من مسؤوليته عن القرار فيما تفتق ذكاء «التيار» عن سيناريو يعيد القرار إلى تطورات داخل السعودية.
الخفّة في التعامل مع مصالح لبنان ليست جديدة على هاتين القوتين اللتين انخرطتا في الترويج لتحالف الأقليات والاستثمار في مناخ الكراهيات الطائفية والمذهبية السائد اليوم. ومعروف أن الحزب والتيار شككا في جدية الهبة السعودية وبلغ الأمر ببعض المتحدثين المقربين من الحزب الزعم أن الدفعة الأولى من المساعدات المخصصة للجيش، والتي وصلت العام الماضي، غير صالحة للاستخدام لأن صواريخ «ميلان» المضادة للدروع «مستها الرطوبة» في مخازن الجيش الفرنسي...
غني عن البيان أن «حزب الله» ينظر بريبة إلى بناء الجيش اللبناني لاعتباره أن إتمام عملية بناء قوات مسلحة تابعة للدولة سيسحب منه ذريعته الأثيرة بالدفاع عن لبنان في وجه أي عدوان إسرائيلي ممكن. وهي المهمة التي تطورت في الأعوام الماضية لتشمل صد محاولات الجماعات التكفيرية العمل في لبنان، وذلك من ضمن رؤية الحزب للبنان كورقة وساحة للاستراتيجية الإيرانية لا أكثر. وما تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية رغم التنازل الكبير الذي قام به الطرف الآخر بتبني مرشحَّي الحزب (ميشال عون وسليمان فرنجية)، إلا عينة على تصور الحزب لما يجب أن يكون عليه الوضع في البلاد: فراغ وتفكك في المؤسسات وهيمنة حزبية على المفاصل الأمنية والسياسية الرئيسة تغذيها لغة التخوين والتهويل.
ويمكن إيجاز موقف «حزب الله» والتيار الوطني الحر من تعزيز قدرات الجيش الوطني، بسؤال يشبه الأحجية عن أسبقية البيضة أو الدجاجة: مَن يدافع عن لبنان ما دام الجيش ضعيفاً؟ (الجواب يجب أن يكون «المقاومة»، طبعاً) وكيف نبني جيشاً بمساعدة أميركا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، مصدر الخطر الأكبر على بلدنا؟ العجز المفترض والمفروض عن الخروج من هذه المعضلة الزائفة، هو الملعب الذي يؤدي فيه الحزب المهمات الموكلة إليه.
بيد أن هذا نصف الصورة. فما كان لوقف المساعدات السعودية والإجراءات المتوقعة التي ستشمل عدداً من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج أن يكون على هذا المقدار من الخطر لولا إضاعة السياسيين اللبنانيين، بانتماءاتهم وولاءاتهم المختلفة، فرصاً تاريخية لإعادة تحديد وظيفة هذا البلد ودوره في المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية كلّها.
والحال أن لبنان فوّت منذ انتهاء حربه الأهلية مناسبات لن تتكرر لصوغ هويته ونظامه ووظيفته في المنطقة. ولأسباب عدة تتراوح بين سيادة رؤية أحادية الجانب إلى الاقتصاد والوصاية السورية والاحتلال الإسرائيلي أجزاء من أرضه، وتداخل هذه العوامل معاً، سقط في امتحان التحديث بالمعاني السياسية والاقتصادية والثقافية وسعى سياسيوه إلى إحياء أجواء ما قبل الحرب الأهلية مستندين إلى اتفاق الطائف الذي شاب وضعه قبل تطبيقه نواقص كبرى حالت وما زالت تحول دون تشييد مجتمع متعدد يرتفع فوق منطق المحاصصة الطائفية. ناهيك عن تغير العالم تغيراً كبيراً بين 1975 و1990.
تراكم تلك الأخطاء التي لا يحتكر المسؤولية عنها معسكر واحد من معسكرات الانقسام والصراعات الطائفية، أصبح اليوم جبلاً يعيق التقدم نحو أي تسوية كبرى بين اللبنانيين تقوم على تعريفهم لبلدهم ولما يريدون منه وما هي وجهة سيره ودوره في المنطقة وحروبها المتفاقمة ومعنى أن يكون المرء لبنانياً اليوم. جبل يضاف إلى جبال النفايات التي يتفرج السياسيون عليها أملا في استخراج الأرباح والمكاسب الفئوية الضيقة منها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة