لا شيء يعلو في هذه الآونة فوق الروح المذهبية البئيسة والمدمرة، المذهبية تحولت إلى المفرزة الأعلى صوتًا في تحديد المواقف
لا شيء يعلو في هذه الآونة فوق الروح المذهبية البئيسة والمدمرة ، المذهبية تحولت إلى المفرزة الأعلى صوتًا في تحديد المواقف وتوجيه الأفكار وتحريك الوعي والمجتمعات ، من القديم اللامتناهي قدمًا أن يشتمل الحاكم والسياسي الدين وخطابه ، من القديم والرأس مال الديني يستتبع السلطة السياسية في جميع الحضارات ، لكن أن تتحول الدولة إلى الدولة المذهب فذلك هو الطارئ وغير الاعتيادي، ينطبق وصف الدولة المذهب على حكومة الملالي الإيرانية التي حولت نفسها إلى الراعي للمذهب الشيعي وإلهه وقبلته وموازيه الموضوعي، المذهب الشيعي بأطيافه واختلافاته أصبح تحت ملاءة وتصرف الولي الفقيه حاكم إيران، بل تجاوز ذلك إلى استدعاء المذاهب المستبعدة من المذهب الشيعي من قرون متطاولة " النصيري / الزيدي " مع ملاحظة أن المذهب الشيعي من عمق التاريخ يعتبر المذهب النصيري مذهبًا كافرًا خارجًا عن الدين الإسلامي، لكن رغبة الثورة الخمينية التوسعية في المحيط العربي والإسلامي دفعته في السبعينات الميلادية إلى أسلمة المذهب النصيري وتشييعه وتوجته بفرمان اعتراف بإسلاميته.
لم يعد المذهب الشيعي ذلك المذهب الديني المستقل بل تم اختطافه لصالح الأطماع الإيرانية، والتي أفقدت المذهب الشيعي موضوعيته وحريته وحولته إلى رهينة تخدم الأجندة الإيرانية التوسعية، لو أن إيران اعتبرت مذهبها الرسمي المذهب الشيعي لكان الأمر مفهومًا، لكن المأزق أن اعتبرت هذا المذهب من ضمن ملكياتها معتبرة المذهب الشيعي رديفًا موضوعيًّا للدولة والحكومة الإيرانية التي يوحي لحن لغونتها أنها الحضن الأزلي للمذهب الشيعي والوريث الشرعي لحقوق توجيهه وحراسته وتدشينه ورعايته.
هنا نحن أمام دولة ليست مذهبية بالمعنى التقليدي، وإنما نحن إزاء ذهنية دولة تسعى إلى سحق التراث الشيعي والمزايدة عليه، كما إثبات أنها الأعلم والأحكم بالصالح لهذا المذهب وأتباعه، ويؤكد ذلك تجاوز الثورة الخمينية لعقيدة المذهب الشيعي والانقلاب على راسخاته اللاهوتية التي لا يبدل القول فيها، وعلى رأسها الجراءة على عقيدة الإمام المنتظر أو الغائب التي تشدد الأدبيات اللاهوتية الشيعية فيها على عدم جواز نيابة الغائب والقيام بدوره بالوكالة، مهما كانت الأحوال والظروف، لكن الخمينية اجترحت هذا التابو، وأعلنت جواز القيام بدور الإمام المنتظر أو الغائب عبر استحداث منصب "الولي الفقيه" الذي يمنح هذا الولي جميع أدوار الغائب المقدسة، وذلك إمعان في احتواء واختطاف المذهب الشيعي عبر اكتساء المرجعية الإيرانية بقدسية المقدس المنتظر والغائب، وذلك ما يمنح ومنح إيران سحق الأصوات الشيعية الأخرى خاصة العربية ومنعها من المزاحمة في توجيه المذهب أو المشاركة في نشر الوعي والمراجعات والتصحيح.
في مزايدة فجة مقيتة وغير مستغربة من قبل قائد الباسيج الإيراني محمد رضا نقدي على موقف الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب التاريخي الذي انتهى بالصلح المشهور مع معاوية استدرك بقوله: " إن مئات الجنرالات في الحرس الثوري جاهزون للذهاب وخوض المعارك بسوريا، ولن يكرروا خطأ الحسن بن علي بالصلح مع معاوية بن أبي سفيان".
وتابع بأنه "لو كان الحسن بن علي يمتلك قوة خامنئي لما وقع على ذلك الصلح المشؤوم، ولذا فنحن اليوم نرفض الأصوات التي تقول بأن هذه المرحلة تشبه مرحلة الصلح بين الحسن ومعاوية، وأن علينا أن نتصالح مع أعدائنا بالمنطقة"
( المختصر ) تحول المذهب الشيعي إلى ملكية دولة تحتكر خطابه والتبشير به لمرحلة حق تسيير شأن المقدس المذهبي بوصف إيران دولة الولي الفقيه وكيل الإمام الغائب صاحب القداسة لدى الشيعة، يمارس خطاب الولي الفقيه إعادة رسم الشريعة الشيعية، كما لو كان هذا المذهب في استعادة للحظات التأسيسية الأولى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة