غياب مؤشرات حقيقية على الأرض لنجاح الهدنة في سوريا، يجعل من الدعوة لها "فقاعة" أشبه بفقاعة " مفاوضات فيينا" التي انفجرت سريعا
في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من باريس، أن سوريا قد تبدأ مرحلة "انتقال سياسي كبير" بين النظام والمعارضة في غضون "أسابيع".
وقال كيري وقتها إن هذا الانتقال السياسي، هو نتيجة للتسوية الدولية التي تم التوصل إليها في ختام مفاوضات فيينا، ومر بدلا من الأسابيع أربعة أشهر ولم يحدث شيء، وانفجرت فقاعة "فيينا" لتصبح الأزمة السورية على موعد مع أخرى جديدة هذه المرة، وهي الهدنة.
وتعرف "الفقاعة" في لغة الاقتصاد بأنها حالة تتميز خلالها أسعار الأسهم بالارتفاع الحاد والسريع بسبب الإقبال المفرط عليها من قبل المستثمرين، مدفوعين بتوافر السيولة المالية لديهم، إضافةً لتفاؤلهم شبه الجنوني بأرباحها المستقبلية المتوقعة، دون وجود مؤشرات لتحقيق هذه الأرباح على المدى القريب المنظور، مما يؤدي لاحقاً إلى انخفاض حاد في الأسعار عندما لا تتحقق هذه الأرباح.
مع الفارق، لم تكن هناك مؤشرات حقيقية على الأرض، يمكن استخدامها لتبرير حالة التفاؤل التي بدت في تصريح كيري بعد مفاوضات فيينا، ولكن هذا التصريح أوجد مناخا متفائلا زادت معه تصريحات القوى الدولية التي دارت جميعها حول اقتراب الحل السياسي في سوريا، ثم اصطدم الجميع بالواقع المؤلم في "جنيف 3 " خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث انفجرت "فقاعة فيينا"، وكان المؤتمر نسخة مكررة لنتيجة الفشل الذي ظهرت في المؤتمرات السابقة.
من فقاعة لأخرى
واليوم تعيش الأزمة السورية مناخ فقاعة جديدة عنوانها هذه المره "الهدنة"، وبدأت صناعة الفقاعة الجديدة بخبر بثته وكالات الأنباء يوم الجمعة الماضي عن عقد مسؤولون عسكريون من الولايات المتحدة وروسيا محادثات في جنيف، قبل اجتماع للأمم المتحدة في نفس اليوم حول الأزمة السورية، وذلك بهدف التوصل إلى هدنة في سوريا.
وبعدها بساعات تبث الوكالات خبرا آخر عن أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري, بحثا في اتصال هاتفي اليوم الأحد طريقة وشروط وقف إطلاق النار في سوريا.
وتتفاعل المعارضة السورية مع "فقاعة الهدنة" بإعلان قبولها ، شريطة وقف روسيا غاراتها، وأصدر رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض بيانا، قال فيه: "إن الفصائل أبدت موافقة أولية على إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة على أن يتم ذلك وفق وساطة دولية وتوفير ضمانات أممية بحمل روسيا وإيران والميليشيات الطائفية ومجموعات المرتزقة التابعة لها على وقف القتال".
وتضخمت الفقاعة مع تصريح للرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة "الباييس" الإسبانية بثت وكالة الأنباء السورية أجزاء منها اليوم الأحد.
وقال إنه مستعد لقبول الهدنة، شريطة ألا يستخدمها من وصفهم بـ"الإرهابيين" من أجل تحسين مواقعهم.
وتواصل الفقاعة تضخمها مع تصريح قبل ساعات لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، جاء فيه أن الهدنة في سوريا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ قريبا.
وقال كيري عبر مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في العاصمة الأردنية عمان: "نحن أقرب إلى وقف إطلاق النار في سوريا من أي وقت مضى".
انفجار وشيك
وبينما يبشر كيري بـ "الهدنة الوشيكة"، فإن الوضع القائم على الأرض لا يبشر باقتراب حدوث ذلك، وهو ما دفع دامس كيلاني، منسق عام تنسيقية الثورة السورية في مصر، للقول: "فرص نجاح هذه الهدنة لا تتعدى في رأيي نسبة الـ 10 %".
وعاد كيلاني، إلى الهدنة التي دعى لها المبعوث الدولي للأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي عام 2014، والتي أعلنت كل الأطراف شفهيا التجاوب معها، ولم يكن لها تطبيق على أرض الواقع.
وأضاف في تصريحات خاصة لبوابة العين الإخبارية: "ما أشبه الليلة بالبارحة، فالجميع يعلن الموافقة، ولكن كيف سيتم التنفيذ على أرض الواقع، هذا ما تحوم الشكوك حوله".
وشكك كيلاني في نوايا النظام، مشيرا إلى أنه سيستغل أخطاء داعش وجبهة النصرة، لإلصاق أخطائها بالمعارضة، ومن ثم إيجاد المبرر لاختراق الهدنة، وتصدير رسالة سلبية عن المعارضة.
لماذا الهدنة؟
هذا الرأي الذي أشار إليه الكيلاني، ألمح إليه بالأمس عضو بارز في الهيئة العليا للمفاوضات، خلال تعليقه على الهدنة مع وكالة رويترز.
وقال عضو هيئة المفاوضات الذي لم تكشف الوكالة عن اسمه، إن الهدنة يجب أن تكون "مشروطة بعدم استهداف جبهة النصرة"، وعزا ذلك، إلى أن جبهة النصرة تقاتل إلى جانب جماعات أخرى في بعض المناطق بينها إدلب.
أغلب الظن أن جبهة النصرة لن تلتزم بأي اتفاق، وسبق وأعلن زعيمها أبو محمد الجولاني ذلك عند الحديث في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن هدنة يتم إقراراها بالتزامن مع مؤتمر "جنيف 3".
وقتها قال الجولاني إن "اتفاقات الهدنة بين الحكومة ومقاتلي المعارضة لا تفيد سوى النظام "، معلنا أنه غير ملزم بالتجاوب مع أي اتفاق.
فكيف سيتم التفرقة بين جبهة النظرة وأي فصيل آخر حال حدوث اختراقات للهدنة؟
الإجابة على هذا السؤال، تقود إلى أن النتيجة الحتمية لهذه الفقاعة الجديدة هي الانفجار، كما يقول الناشط السياسي السوري سقراط البعاج.
وقال البعاج لبوابة العين: "الحديث عن هدنة وإعطاؤها زخما إعلاميا هو محاولة لتمييع القضية، لتصبح أقصى أمانينا تحقيق ذلك".
وأضاف: "نريد حلا نهائيا للأزمة، لا أن يصبح الحديث عن الهدنة هو محور الأزمة".
aXA6IDUyLjE1LjY4Ljk3IA== جزيرة ام اند امز