بالموسيقى والفروسية.. يعالجون مرضى "التوحد" في الأردن
التوحد يصيب الذكور 3 أضعاف إصابته للإناث، ويقدر عدد المصابين به في الأردن بـ8 آلاف حالة، والطرق الجديدة أكثر فعالية مع مرضى طيف التوحد.
تؤمن "منال"، وهي أم لثلاثة أطفال، بأن كل الأمراض في هذه الحياة لها أسباب ولها علاج، لكن الأطباء حتى هذه اللحظة لم يمنحوا منال الإجابة الشافية لحالة ابنها "عمر"، الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، ومصاب بمرض التوحد، هذا المرض الذي لا علاج له كما أخبرها الكثير من المختصين والأطباء.
لم تيأس منال، وبدأت البحث عن طرق تمنح ابنها الأمل، وبعد البحث المطول وجدت طرقًا جديدة، لم تكن تتخيلها، من بينها علاج التوحد عبر الموسيقى، وأخرى عبر ركوب الخيل. وتقول منال: "في البداية لاحظت أن ابني لا يمر بالمراحل التي من المفروض أن يمر بها أي طفل، كالمناغاة، والضحك والتواصل البصري بيني وبينه، ولا يلتفت للأصوات والألوان المحيطة به. وظننت أن الأمر طبيعي، وبالصدفة سمعت عن مرض التوحد عبر الراديو، ووجدت ضرورة عرضه على طبيب، فحولني إلى أخصائي تربية خاصة، وبعد الفحوصات أخبرني أنه مصاب بالتوحد".
"منال" لا تعلم ما مدى مصداقية الطرق الحديثة بعلاج التوحد، لكنها من باب المحاولة قررت أن تضم ابنها لأحد الأندية التي تعلم الفروسية، وبعد فترة من الزمن لاحظت أن "عمر" بدأ بالتحسن من ناحية ملاحظة حركة الأشياء التي حوله، لكن دون التفاعل معها، وحتى هذه اللحظة لم ينطق أية كلمة رغم أنه أصبح في عمر يؤهله لدخول المدرسة.
محمد أبو زيد، الذي يعرف نفسه بأنه متخصص في "الفروسية العلاجية" من مركز غمدان للفروسية، يقول، إن المشكلة الأساسية لأطفال التوحد هي عدم التواصل ورفض التعامل مع الآخرين والانطواء على النفس، وقد لاحظ حالات كثيرة من أطفال التوحد انسجمت مع الخيل واستطاعت التناغم معها، وكانت ردود فعل الأهالي جيدة، لكن التحسن يختلف من طفل لآخر، فالتحسن الكبير كان لدى الأطفال المصابين بطيف التوحد، وهذا التحسن تمت دراسته من جانب أخصائي التربية الخاصة، وتقدر نسبته بـ30%.
ويضيف: "مدة الحصة الواحدة 40 دقيقة، ومرتين أسبوعيًّا، في البداية الطفل يخاف من الخيل لكنه مع الوقت ينسجم معه، ويصبح لديه تآزر حسي حركي وبصري، وليس بالضرورة عند رؤيتهم الأولى للخيل أن يمتطوها، مجرد التعرف عليها وملاحظتها هو تحسن بحد ذاته، وبالتدريج تزيد ثقة الطفل بنفسه ويكسر الخوف الذي يحيطه".
ويتابع: "يخضع أطفال التوحد لمدربين متخصصين ويعرفون الفرق بين درجات التوحد، وكيفية التعامل معها، وإن رفض الطفل امتطاء الخيل من الممكن أن يشارك في إطعامه، ونستقبل أيضًا أطفالًا من ذوي الاحتياجات الخاصة لإخضاعهم للتمارين، التي ستحسن من صحتهم وتخرجهم من الخجل الذي يرافق شخصياتهم".
عبر الموسيقى
ومن الطرق الأخرى الحديثة علاج أطفال التوحد عبر الموسيقى، ويقول مغيرة عياد، أخصائي الموسيقى من مركز روح الشرق، إن "الموسيقى تعمل على تهدئة النفس، ولقد تعاملت مع أطفال من المصابين بالتوحد، وآخرين يعانون صعوبات التعلم واضطرابات نقص الانتباه وغيرها، ولاحظت أن جميعهم يلاحظون إن كانت الموسيقى جميلة أو نشاز".
وأوضح عياد أن العلاج بالموسيقى علاج قديم، وضع أسسه كل من الكندي وابن سينا، وكان موجودًا عند اليونان قبل 5 آلاف سنة، وفي العصر الحديث وجد بداية في دولة فرنسا في ثلاثينيات القرن، ويقول: "نستقبل الحالات المصابة بالتوحد، ونعمل على دمجها مع الحالات الأخرى، ويجب أن تكون نسبة الإعاقة 30% أو أقل، حتى تتحسن عبر الموسيقى، وأطفال طيف التوحد تحسنوا كثيرًا عبر استماعهم للموسيقى وانخراطهم مع الآخرين، وأيضًا تحسن النطق لديهم؛ لأنني أعلم غناء القصائد مع الموسيقى، وشارك الأطفال بمسرحيات عدة كان آخرها مسرحية (باص الشرق)، علمًا بأن طفل التوحد يحتاج للاهتمام والتواصل معه بشكل مكثف حتى تتحسن حالته، ويخرج من عزلته.
لا يوجد علاج ناجح
ويلفت المدير الفني في المركز العربي للتربية الخاصة، علاء أبو صافي، إلى عدم وجود دراسات دقيقة تبين أعداد المصابين بالتوحد في الأردن، لكن حسب آخر دراسات للجمعية الأمريكية للاضطرابات السلوكية فإن نسبة حدوث التوحد في أوروبا تصل إلى 3 أو 4 حالات لكل 10 آلاف ولادة، وتزيد لتصل إلى حالة لكل 500 ولادة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه يصيب الذكور 3 أضعاف إصابته للإناث، وبحسب هذه الإحصائيات ويقدر عدد المصابين بهذا المرض في الأردن بـ8 آلاف حالة.
يقول ابو صافي: "التوحد اضطراب معقد للتطور يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل نتيجة خلل وظيفي في المخ والأعصاب، لم يصل العلم إلى تحديد أسبابه، والأطفال التوحديون لديهم صعوبات سلوكية في التعامل مع الآخرين، تتركز على سلبيتهم في التعامل، وهؤلاء الأطفال قد يكونوا إنطوائيين ساكنين، وقد يكونون نشيطين مخربين، وتختلف درجة المشاكل السلوكية من الشديدة إلى الخفيفة، فقد يكونوا مؤذيين لأنفسهم وللآخرين، وقد يكون خفيفاً بحيث يصعب ملاحظته".
ويردف: "ليس هناك علاج ناجع للتوحد، وهذا لا يعني إحباط الوالدين، ولكن مع التعليم والتدريب يمكنهم اكتساب الكثير من المهارات الفكرية والنفسية والسلوكية، مما ينعكس على حالتهم، وبعض الأطفال تستمر لديهم بعض الأعراض المرضية طوال حياتهم مهما قلّت درجتها. ومن الطرق العلاجية للتوحد التي قد تؤدي إلى تحسن السلوكيات الاجتماعية والتواصلية، وتقلل من السلوكيات السلبية، العلاج النفسي والدمج السمعي وبرامج التعلم المناسب وغيرها من الطرق".