عذراء المُحفظين .. كفيفة أكملت عامها الـ 85 ولا تزال تُحَفِّظ الصغار كتاب الله
أوقفت حياتها للقرآن ونسيت الزواج
الشيخة "سميعة" كان لها نصيب من اسمها، فصارت "سميعة" لكتاب الله، ثم حافظة له؛ لتنقله بقراءاته المتعددة إلى الأجيال الصغيرة.
يقولون: إن الشخص الكفيف يعوضه الله عن نعمه الإبصار بقوة غير طبيعية في حاسة السمع، وهذا ما حدث مع الشيخة سميعة محمد السيد بكر البناسى "85 عامًا"، والتي كان لها من اسمها نصيب، فصارت "سميعة" لكتاب الله، ثم حافظة له؛ لتنقله بقراءاته المتعددة إلى الأجيال الصغيرة.
سميعة، المولودة في إحدى قرى محافظة المنوفية بمصر، شاءت الأقدار أن تخرج إلى الحياة في 18 مايو عام 1930 فاقدة لنعمة الإبصار، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تكمل حفظ كتاب الله في سن الحادية عشر، لتحقق حلم والدها الذي عجز أشقاؤها الذكور الأصحاء عن تحقيقه.
ويقول ابن شقيقها عادل بكر، الذي يقوم على رعايتها: "كان والد عمتي الشيخة سميعة يتمنى أن يحفظ أحد أبنائه الذكور القرآن، ولكن لم يقدر الله أن يحفظ القرآن من أسرته إلا الشيخة سميعة التي ولدت كفيفة".
وينقل بكر عن عمته الشيخة سميعة قولها: " بدأت الحفظ وعمرى 6 سنوات، وأتممت الحفظ عندما بلغت 11 سنة، ثم بدأت في عام 1948 تعلم القراءات على يد الشيخ مصطفى محمود شاهين العنوسى، الذي كان يسكن في قرية مجاوره لقريتنا، وكنت أذهب إليه على الركائب (الحمير)، حيث لم تكن هناك وسائل للمواصلات بين القريتين".
ذاكرة قوية
وفي سعيه لتوثيق قصة عمته، يحكي بكر على صفحة متخصصة بموقع "فيس بوك " للتجارب الرائدة، بعض من سمات عمته "عذراء المُحَفِّظين"، قائلًا: "رغم بلوغها سن الـ 85 عامًا، إلا أنها تتمتع بذاكرة قوية، الأمر الذي ساعدها على أن تواصل حتى الآن مهمتها في تحفيظ القرآن الكريم للصغار".
ومنذ عام 1949 ، بدأت الشيخة سميعة في تحفيظ القرآن، ثم شرعت بعد ذلك في الإقراء عام 1957، فمنحت إجازات قرآنية لعشرات النساء والرجال في مصر والوطن العربي.
ويقول ابن شقيقها : "الشيخة تتعامل باللين والرفق مع طلابها، وعندما سُئلت كيف تتعاملِ مع الطلاب، قالت: أتعامل معهم بالقرآن".
ويضيف: " الشيخة تتمتع أيضًا بروح الدُعابة، فعندما يُخطئ طالب في القراءة، فهي دائمًا ما تقول له هذه الجملة: (هات العصا عشان الشيخ يقرأ كويس)".
ولأن الشيخة لا تستطيع الانفصال عن القرآن طيلة اليوم، فقد أوقفت حياتها كلها للقرآن، ولم تتزوج.
ويقول ابن شقيقها: "هي تقوم بالإقراء طوال اليوم، وتبدأ في قراءة القرآن من بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر، وتقرأ في هذا الوقت من 7 إلى 10 أجزاء كل يوم".
وداعًا للنائحة
وبينما كان دور المرأة وقت العزاء في المجتمع الريفي هو الصراخ والعويل، بل أنهم كانوا يستأجرون لهذه المهمة سيدة تسمى بـ (النائحة)، فإن عذوبة صوت الشيخة سميعة جعل للمرأة دور آخر، وهو قراءة القرآن.
وكانت الشيخة تقرأ القرآن في مجالس عزاء النساء، وكانت النساء يصممن على أن تقرأ الشيخة في مكبر الصوت (الميكرفون) مما جعل بعض الرجال -من عذوبة صوتها- يتصنتون عليها ويتركون سماع القراء من الرجال.
وللمكانة التي تحظى بها الشيخة، استطاعت أن تقنع أهالي القرية بإبطال بدعة (النائحة)، وتعتز الشيخة بذلك، وتقول عن هذا الأمر: "بفضل الله تعالى كنت أول من أبطل بدعة (النائحة) التي كانوا يستأجرونها لدفع النساء على البكاء".