العلاقات السعودية اللبنانية..تاريخية متجذرة شابها "حزب الله"
تاريخ من الدعم السعودي للبنان على مر العقود
منذ 1952 والعلاقات السعودية - اللبنانية في تطور مستمر على كافة الأصعدة، ودائما ما كانت السعودية داعمة للبنان في مختلف المجالات
تمر العلاقات السعودية اللبنانية حاليا بمنعطف حاد بسبب النفوذ الإيراني في لبنان، متمثلا في التواجد السياسي والعسكري لجماعة "حزب الله" في تلك البلاد التي عانت الكثير إثر الانشقاقات والحرب الأهلية.
إلا أن التصريحات الرسمية الصادرة من لبنان تؤكد على أهمية تلك العلاقات وأنها ليست مجرد علاقات دبلوماسية عابرة، وتجلى ذلك في تصريح تَمّام سَّلّام، رئيس الوزراء اللبناني اليوم الاثنين، بأن لبنان لا يستطيع تحمل "زعل" الرياض.
وعلق سلام على هذا الوضع قائلا "لم يكن لبنان تاريخياً خارج الإجماع العربي، وحصول تقصير أو هفوة ما، لا يعني أن ما حصل هو الأصل".
وأضاف: "الخليج، والسعودية خصوصاً، لم يقصّرا مع لبنان في يوم من الأيام، ولهذا لا يجب أن نرد على هذا إلا بالتعبير عن أخوّتنا وتلاحمنا مع العالم العربي، حيث ننتمي، كما ينص دستورنا".
وترجع العلاقات بين البلدين إلى عام 1952، حيث بدأت بزيارة رسمية لكميل شمعون، أول رئيس للبنان، للمملكة العربية السعودية والتي استقبلها الملك عبد العزيز آل سعود بحفاوة كبيرة، حيث كان العاهل السعودي أول المبادرين في الاستعانة بالخبرات اللبنانية قبل استقلال لبنان، واستعان بالخبراء والمستشارين أصحاب الفكر والرأي وحسن الإدارة، وكان اللبناني فؤاد حمزة بين هؤلاء المستشارين الذين أمضوا عقودًا من العمل السياسي السعودي.
وفي 1976، وبمبادرة سعودية كويتية، انعقد مؤتمر قمة سداسي في الرياض، شارك فيه زعماء السعودية ومصر وسوريا والكويت ولبنان، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الهدف المباشر له معالجة أحداث الحرب الأهلية الجارية في لبنان آنذاك.
وتوصلت القمة إلى وقف إطلاق النار ووقف القتال في كل الأراضي اللبنانية، وتشكيل قوات ردع عربية في حدود 30 ألف فرد، تعمل داخل لبنان وتحت إمرة رئيس الجمهورية لفرض الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال والفصل بين القوات المتحاربة والإشراف على انسحاب وعودة المسلحين إلى المواقع التي كانوا فيها قبل 13 أبريل/ نيسان 1975، ومتابعة جمع الأسلحة الثقيلة، ومساعدة السلطة اللبنانية على تسلم وحماية المرافق والمؤسسات العامة.
وفي عام 1989 جاء اتفاق الطائف، وهو اجتماع استثنائي لمجلس النواب اللبناني في مدينة الطائف بالسعودية، حيث تم إقرار وثيقة الوفاق الوطني، والتي أكدت هوية لبنان العربية وجاءت بعدد من الإصلاحات في النظام السياسي اللبناني، وهو الذي أصبح فيما بعد دستورا جديدًا للجمهورية اللبنانية.
لكن الدعم السعودي لهذه العلاقة تعدى البعد السياسي، فاقتصاديا قامت المملكة بدعم لبنان بأكثر من 12 مليار دولار، ويتمثل ذلك الدعم في منح ومساعدات وقروض ميسرة بالإضافة إلى الكثير من المعونات العسكرية والتنموية.
ووصف الكثير من السياسيين اللبنانيين العلاقة بين البلدين بالعميقة والمثمرة منذ عقود، حيث يقول محمد البعلبكي، نقيب الصحفيين اللبنانيين السابق في تصريحات سابقة إن "العلاقات اللبنانية - السعودية ارتكزت على قول الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، بشكل صريح وعلني لأبنائه لبنان وطنكم الثاني".
وبنيت العلاقات السعودية اللبنانية على أساس روحية هذه الكلمة، وما تزال مستمرة حتى اليوم، لهذا التزم أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذين تعاقبوا على تولي المسؤوليات من بعده، بهذا التوجه الصادر عن والدهم.
وطوال تاريخها الممتد منذ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى اليوم، لم تعرف العلاقات اللبنانية-السعودية أيّة شائبة، إلا أن تنامي النفوذ الإيراني متمثلا في "حزب الله" ومواقفه المعادية للصف العربي يهدد صفو هذه العلاقات.
ويلاحظ إضافة إلى العلاقات الدبلوماسية والرسمية المستمرة منذ زمن، فإن السعودية تبدي دائماً اهتماماً مباشراً بكل شأن لبناني، فما من أزمة تمر بها هذه البلاد، إلاّ وكانت السعودية بجانبها، تضع كل إمكانياتها لمساعدتها لإيجاد مخارج لأزماتها واطمئنان لمستقبل شعبها.
ويتجلى ذلك واضحا في عدة مواقف تاريخية للسعودية، أبرزها استقبال اللبنانيين وتأمين فرص العمل لهم، والمحاولات المستمرة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ودعم لبنان بشكل مستمر في المحافل الإقليمية والدولية، واستضافة ورعاية اتفاق الطائف وأخيرا دعم المملكة الكامل في عمليات إعادة البناء والإعمار في لبنان.
واستنادا لما سبق، رأى مراقبون أن الوعي السياسي اللبناني كفيل بردع أي محاولات للتأثير على استقلالية لبنان والتأثير على تحالفاته، لاسيما مع المملكة العربية السعودية، مرجحين في الوقت نفسه أن تعود العلاقات إلى طبيعتها، خصوصا بعد بيان موقف القوى اللبنانية، على غرار قوى "14 آذار" التي أكدت أن لبنان جزء لا يجتزأ من الكيان العربي.
وشدد البيان على أن "هذه الدول التي فتحت لنا أبوابها جميعًا في كل المراحل الصعبة وكانت أفضل سند لنا، لم تحتل يومًا شبرًا من أرضنا اللبنانية، ولم تسهم يومًا في أي تسليح لغير الشرعية اللبنانية، أرسلنا إليها خيرة شبابنا، وأعطتنا في المقابل أفضل فرص النجاح والخير"، في إشارة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج.