الذكرى 75 لاستقلال الأردن.. محطات تاريخية تقود لمستقبل زاهر
يحتفل الأردنيون الثلاثاء، بالذكرى 75 للاستقلال بمشاعر ملؤها الامتنان والتقدير للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قائد مسيرة التنمية .
وتحمل ذكرى الاستقلال هذا العام أهمية خاصة، كونها تتزامن مع احتفال الأردنيين بمئوية الدولة التي تأسست عام 1921.
ويعد الاستقلال محطة هامة في تاريخ تأسيس الدولة، كونه تم في عهد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين (الأمير آنذاك) الذي أسس الدولة الأردنية في 11 أبريل/ نيسان 1921، تحت اسم "إمارة شرق الأردن"، وتم في عهده إعلان استقلالها والاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة تحت اسم "المملكة الأردنية الهاشمية" بدلا من إمارة شرق الأردن في 25 مايو/أيار 1946 .
ويحتفل الأردنيون بذكرى الاستقلال وهم يستذكرون بمشاعر الفخر والامتنان والتقدير قادة البلاد الذين تعاقبوا عليها منذ التأسيس والاستقلال بدءا من الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين مرورا بنجله الملك طلال الذي تولى الحكم عام 1951، وتم في عهده وضع الدستور الأردني المعمول به حاليا، الذي يعد من أهم الدساتير في المنطقة ومن أكثرها حداثة، فالملك الحسين بن طلال الذي تولى مقاليد الحكم عام 1953، ليوطد أركان المملكة ويواصل مسيرة بناء الدولة الحديثة على مدار نحو 47 عاما من حكم.
وصولا إلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي تولى الحكم عام 1999 ليكمل مسيرة التنمية والنهضة التي يقودها حتى اليوم.
ويحتفل الأردنيون بذكرى الاستقلال الـ 75 في ظل ظروف استثنائية جراء جائحة كورونا، وسط جهود من الدولة لتجنيب المواطن الإصابة بهذا الوباء العالمي، والسعي لتأمين اللقاحات والعلاجات اللازمة للحفاظ على صحته وسلامته، وهو ما أكده عليه العاهل الأردني منذ بدايات الأزمة بقوله "ما عندي أهم من سلامة المواطن الأردني".
ويشكل مرور 75 عاما على الاستقلال فرصة للأردنيين ليتأملوا تلك المسيرة ويستلهموا منها الدروس والعبر، حول القدرة على مواجهة التحديات وقوة الإرادة والعزيمة، الأمر الذي يعينهم على المضي قدما للمستقبل بمزيد من العمل والإنجاز.
دروس وعبر تتضح بشكل جلي من خلال استعراض أبرز المحطات منذ استقلال الأردن.
إعلان الاستقلال
تم الإعلان عن استقلال الأردن في 25 مايو/أيار 1946 تحت اسم "المملكة الأردنية الهاشمية"، وأصبح الملك المؤسس عبدالله (الأول) بن الحسين ملكاً دستورياً عليها.
وبتحقيق الاستقلال، أخذت المملكة الأردنية الهاشمية دوراً متقدماً وبارزاً، عربياً ودولياً لتتبوأ مكانة متقدمة، مُوظفة استقلالها في الدفاع عن الأُمتين العربية والإسلامية، وخدمة قضاياها العادلة، وشاركت بعيد استقلالها بأيام في مؤتمر قمة انشاص بمصر في الثامن والعشرين من أيار عام 1946، الذي يعد أول قمة عربية.
وأنجز الأردن دستوراً جديداً للدولة، والذي صادق عليه المجلس التشريعي في 28 تشرين الثاني 1946، وفي 4 مارس/ آذار 1947 تم تشكيل أول حكومة في عهد الاستقلال، وجرت في 20 تشرين الأول 1947 أول انتخابات برلمانية على أساس الدستور الجديد .
وفي حرب عام 1948، سطّر الجيش الأردني أروع بطولات التضحية والفداء في الدفاع عن فلسطين والقدس، وقدّم مئات الشهداء على أرضها.
وفي يوم الجمعة 20 يوليو/ تموز 1951، استُشهد الملك عبدالله المؤسس، بعد اغتياله على أرض القدس ليتولّى سدةَ الحكم نجله ووليُّ عهده، الملك طلال بن عبدالله.
دستور 1952
وجه الملك طلال الحكومة بأن تسعى إلى إكمال وضع دستور حديث للبلاد، وفي عام 1952 أنجز الدستور الأردني الذي يعد من أهم الدساتير في المنطقة ومن أكثرها حداثة، ووقع على إصداره وإقراره.
وجسّد الدستور آفاق التطور السياسي المرتكز على ضرورة مشاركة الشعب في صنع القرار من خلال العملية الديمقراطية الكاملة وإجراء انتخابات دورية لمجلس الأمة.
ثم وجه الملك طلال حكومته لإقرار نظام التعليم المجاني والزامية التعليم، وأسس ديوان المحاسبة ووضع له تشريعا مهما يصون من خلاله المال العام.
وأقر في عهده حقّ التعليم المجاني، وأُنجزت العديد من التشريعات، وسعى إلى توطيد العلاقات الأردنية مع السعودية وسوريا ومصر، ولكنّ مرضه حال دون استمراره في الحكم، فكان القرار الدستوري بتشكيل مجلس الوصاية في 11 أغسطس/ آب 1952، ريثما يبلغ نجلُه الحسين السنَّ القانونية بموجب الدستور، وهو اليوم نفسه الذي بويع فيه الحسين ملكاً على المملكة.
بناء الدولة الحديثة
وفي 2 مايو/أيار 1953، تولّى الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في ظروف عربية ودولية حرجة ودقيقة.
واستطاع خلال فترة حكمه أن يحقق أعلى مستويات النهوض المدنية والسياسية، وأن يكون الباني لأردن الاعتدال والوسطية، ويحقق أفضل نوعية حياة لشعبه، من حيث التطور في مستوى الخدمات والتعليم والتقدم العلمي، وأن يستمر الأردن في أداء دوره العربي والإقليمي بتكامل وتأثير.
واتخذ الملك الحسين قراراً تاريخياً في العام 1956 بتعريب قيادة الجيش العربي وعزل الجنرال كلوب، حيث كانت ثقة الملك الحسين كبيرة في قدرة الأردنيين على تحمّل المزيد من المسؤوليات، وتمكينهم من تدبير وإدارة شؤون بلادهم بأنفسهم، ولا سيما في واحدة من المؤسسات العريقة التي أثبتت وطنيتها وقدرتها وتفوقها على مدار سنوات تأسيس وتطور الدولة الأردنية، ليتبع ذلك إلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية عام 1957.
وعلى مدى 47 عاماً من قيادته، شهد الأردن تقدماً ملموساً في جميع المجالات، خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ورفع شعار "الإنسان أغلى ما نملك" كركيزة أساسية في توجيه الخطط التنموية والتأكيد على ضرورة توزيع مكتسبات التنمية لتشمل كل المناطق وجميع فئات الشعب.
وتوسعت قاعدة التعليم الإلزامي، إذ انتشرت المدارس في جميع مدن المملكة وقراها وبواديها وأريافها، وأصبح الأردن في طليعة الدول العربية على صعيد ارتفاع نسبة المتعلمين ومكافحة الأمية وتزامن ذلك مع إنشاء الجامعات وكليات المجتمع الحكومية والخاصة.
وشملت نهضة الأردن جميع المجالات الصحية والخدمات العامة والبنية التحتية والطرق والاتصالات والزراعة والصناعة وغيرها.
وعلى الصعيد الدولي، تمكنت الحكومات الأردنية من إقامة شبكة من العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع عدد كبير من دول العالم وشعوبه.
عملت الحكومات في عهد الملك الحسين في ظروف أمنية وسياسية واقتصادية صعبة في وسط عربي ملتهب، ألقى بظلاله على الأردن؛ ورغم ذلك بقيت القضية الفلسطينية المحور الرئيسي للسياسة الأردنية.
مواصلة مسيرة التنمية
بعد وفاة الملك الحسين، تسلم الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية بتاريخ 7 فبراير/شباط 1999.
حرص الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن كدولة مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح، وتوفير فرص العيش الكريم، ومحاربة الفقر والبطالة، والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، تنعكس آثارها إيجابياً على المواطنين ومستوى معيشتهم.
ومضى قدُماً في مسيرة التقدم والتطور والازدهار، من خلال تحقيق الاعتدال والتوازن والانفتاح المدروس، ونبذ التطرف والعنف والانعزال، ومشاركة جميع مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الأهلية والخاصة في عمليات البناء والتنمية، والانفتاح على اقتصاديات العالم.
وقد كلف الملك عبدالله الثاني في عهده 13 رئيسا للوزراء بتشكيل 19 حكومة، تباينت في مدد عملها، وعدد وزرائها، والتعديلات التي شهدتها، لكنها بمجملها حققت انجازات مهمة أسهمت في تعزيز مسيرة البناء والتطور في مختلف المجالات.
بدأ الملك عبدالله الثاني منذ اليوم الأول لتسلم سلطاته الدستورية، مرحلة جديدة في إدارة الدولة، وقيادة مسيرة التنمية الشاملة، التي تتطلب اتخاذ خطوات كبيرة وعديدة، من أجل التحديث والتطوير والتغيير.
وهو نهج يواصل القيام به حتى اليوم، وفي خطابه الذي افتتح به الدورة غير العادية لمجلس الأمة التاسع عشر في ديسمبر الماضي، حدد خارطة الطريق للمرحلة المقبلة، وأسس التعامل مع أزمة جائحة كورونا، بشكل يسمح بتحويلها الى فرص، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والدوائية والمعدات الطبية والزراعة.
وتجلّت الجهود الملكية عبر الاهتمام بمعالجة قضايا الشأن الوطني العام، والسعي لتجنيب الأردنيين خطر الإصابة بفيروس كورونا والحفاظ على سلامتهم، حيث يتابع العاهل الأردني تفاصيل إدارة هذه الأزمة منذ بدايتها، مُطّلعاً على آخر المستجدات في هذا الإطار، ويدرك حاجات مختلف القطاعات ويوجّه إلى تأمينها.
ورغم الظروف الاستثنائية، فقد حرص العاهل الأردني على ضمان تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، إذ شهد العام 2020 إجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب التاسع عشر في تشرين الثاني الماضي.
وفي إطار النهج التواصلي، يحرص الملك على زيارة العديد من مناطق المملكة، ولقاء المواطنين فيها، فيما يشهد الديوان الملكي الهاشمي، بيت الأردنيين جميعاً، لقاءات عديدة مع ممثلي الفاعليات الشعبية والرسمية من مختلف المحافظات والقطاعات.
ولأن ثروة الأردن الحقيقية بأبنائه، يقع الشباب الأردني في صُلب اهتمامات الملك، وتتمتع العلاقة بين الملك والشباب، بطابع خاص، وبصمة حقيقية، جعلت من غالبية الشباب تتخذ من الملك عبدالله الثاني في حكمته ونشاطه، قدوة لهم في التصميم على الإنجاز والعمل على جميع الأصعدة.
وعلى صعيد القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، والأجهزة الأمنية، يوليه الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الجيش العربي والأجهزة الأمنية، جل اهتمامه، ويحرص على أن تكون هذه المؤسسات في الطليعة إعداداً وتدريباً وتأهيلاً، لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه.
واليوم، يؤكد الأردن بحكمة قيادته ووعي شعبه الوفي، أنه يسير على درب واضح نحو المستقبل الأفضل، رغم ما يحيط به من تحديات.
على الصعيد الخارجي، كرّس الملك جهوده الدؤوبة مع الدول الفاعلة للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.
وتصدّرت الأحداث الأخيرة التي شهدتها القدس وحي الشيخ جراح، والهجوم الإسرائيلي على غزة، اهتمامات الملك عبدالله الثاني، الذي قاد سلسلة من الاتصالات والحراكات الدبلوماسية المكثّفة لدعم القضية الفلسطينية .
وعربياً، يحرص الملك عبدالله الثاني على التنسيق والتشاور المستمر مع أشقائه من القادة العرب لتعزيز العمل العربي المشترك، على المستويات كافة.
كما يحظى الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، بمكانة متميزة دوليا، نتيجة السياسات المعتدلة والرؤية الواقعية للملك إزاء القضايا الإقليمية والدولية، إلى جانب جهوده لتحقيق السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
مئوية التعزيز والتطوير
وفي ذكرى الاستقلال، يعبر العاهل الأردني ببلاده نحو المئوية الثانية، التي وصفها إنها "ستكون مئوية التعزيز والتطوير والإنجاز".
مئوية جديدة تستهل سنواتها الأولى باستكمال تطبيق رؤية الأردن 2025، التي تم إطلاقها قبل 5 سنوات، لترسم طريقا للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع.
رؤية طموحة يمضي العاهل الأردني لتحقيقها لقيادة بلاده نحو مستقبل مشرق، رغم ما يحيط به من أزمات وما يواجهه من تحديات، مدعوما بتأييد من الأردنيين الذين يؤكدون في كل مناسبة ثقتهم وإيمانهم بقيادتهم وتطلعهم لتحقيق المزيد من الإنجازات تحت قيادة الملك عبدالله الثاني.