وفى حالة رفض الطعن فتتوج بذلك صحة العضوية المطعون فيها، ويأتى ذلك الاختصاص الدستورى الجديد لمحكمة النقض، بعد كفاح طويل
بعد أن خصها الدستور الحالى، وقانون مجلس النواب، بالفصل أى بالحكم فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، أو بطلانها، وعندما يصدر الحكم ببطلان العضوية تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بحكم محكمة النقض،
وفى حالة رفض الطعن فتتوج بذلك صحة العضوية المطعون فيها، ويأتى ذلك الاختصاص الدستورى الجديد لمحكمة النقض، بعد كفاح طويل دام نحو ستين عاماً من الزمان، ظلت محكمة النقض خلالها تحقق فى الطعون وتبذل جهد القاضى وعدل القاضى، فإذا ما انتهت الى بطلان العضوية طلع علينا المجلس بأنه سيد قراره أو أنه سيد لائحته، ليهدر قيمة التحقيقات القضائية بضماناتها، وليفصل المجلس لنفسه بنفسه، ولمصلحة أعضائه، بصحة العضوية حتى لو انتهت التحقيقات الى البطلان، وطالعتنا جلسات المجلس بمذبحة تحت القبة، يرفض المجلس فيها الطعون كلها بالجملة وفى جلسة واحدة !!
ويذكرنا اختصاص محكمة النقض بالفصل فى صحة العضوية باختصاص القضاء منذ قانون الانتخاب الصادر عام 1913 بإبطال نتيجة الانتخاب بحكم محكمة الاستئناف نهائياً وبغير رسوم، بل أيضاً بإسقاط العضوية، بعد اكتساب الصفة النيابية، ثم تأكد ذلك الاختصاص بدستور 1923 عندما تنازل مجلس النواب عن اختصاصاته بالقانون رقم 141 لسنة 1951 ليترك للقضاء الفصل فى صحة العضوية.
ثم تأكد هذا الاختصاص بنص المادة 90 من دستور 1930، بل لم يقف عند حد الفصل فى صحة العضوية ، بل امتد هذا الاختصاص كذلك إلى سلطة إسقاط العضوية ذاتها، حتى بعد صحة العضوية ، وعهد بهذا الاختصاص إلى محكمة الاستئناف المنعقدة بهيئة مشورة أو محكمة النقض عند إنشائها، وظل ذلك الاختصاص فى سجل التاريخ، حتى سقط عن محكمة النقض منذ أكثر من نصف قرن من الزمان بالمادة 89 من دستور 1956 ليختص المجلس بالفصل فى صحة أعضائه وليفصل لنفسه وبنفسه لمصلحة اعضائه واستمر ذلك لنحو ستين عاماً، حتى عاد الاختصاص بنص الدستور الجديد لمحكمة النقض عزيزاً قوياً، لتبدأ محكمة النقض، فى سلطة التحقيق وإصدار الحكم بالفصل فى صحة العضوية أو بطلانها، حيث تبطل العضوية من تاريخ إعلان الحكم ، وقد بلغت الطعون التى تنظرها محكمة النقض التى مازالت فى دائرة التحقيق حتى الآن «251» طعناً، تمهيداً لصدور الحكم فيها ببطلان العضوية أو صحتها، وهو ما أثار قلق بعض النواب وأفزعهم مقدماً، وقالوا لنا إنهم عازمون على تعديل ذلك الاختصاص.. محتجين بذريعة باطلة، أن أحكام النقض اذا صدرت ببطلان العضوية، فإن ذلك يؤدى إلى سقوط مجلس النواب وهى السلطة التشريعية فى البلاد !! وهذا القول يراد به باطل منذ البداية، لأن الحكم ببطلان العضوية، سوف يؤدى الى إعلان خلو الدائرة وإجراء الانتخابات من جديد.. ولن يؤثر ذلك على صحة المجلس أو بطلانه !!
لكن الأهم من هذا وذاك حضرات السادة أن محكمة النقض وهى تباشر اختصاصها بالفصل فى صحة العضوية، عليها أن تباشر سلطتها بشدة وصرامة، وأن تبسط سلطاتها عند تحقيق الطعون على «الغش الانتخابى» على جميع مراحل العملية الانتخابية كلها، بدءاً من أهلية الترشح وسلامته، ومدى استيفاء الشروط ، وجميع مراحل الانتخابات وفى أثناء الدعاية الانتخابية والإنفاق الانتخابى وتزوير ارادة الناخبين فى صناديق الانتخاب وأن يجرى ذلك بشدة وصرامة وألا تكون الرقابة ناعمة حتى لا يفلت العضو من المساءلة مهما يكن صفته أو شأنه ، بعد أن تمكن من القفز الى قبة البرلمان وحتى لا ينعم بالغش الانتخابى فلا تعصمه حصانه، ولا يغفر له اجراءات قد اتخذت فى اثنائها حتى لو صدرت أحكام خلال عملية الترشح والانتخاب.
فماذا لو أبانت التحقيقات القضائية أمام محكمة النقض أن مرشحاً قد قُبل ترشحه، لكنه كان فاقدا أيا من شروط الترشح والأهلية ، مثل حسن السمعة أو الجنسية أو الافلاس.. أو صدور أحكام جنائية ضده، أو استند قبول ترشحه إلى شهادة أو أوراق ثبت فسادها، أو خالف اعمال الدعاية الانتخابية.. أو تجاوزت المبالغ المحددة للدعاية الانتخابية، أو تلقى تبرعاً مخالفاً للقانون أو أرتكب جريمة من جرائم التزوير والرشوة والبلطجة فى أثناء العملية الانتخابية، وفاز بنتائج أوراق الصندوق مع كل هذه الموبقات التى تحمل جثثاً وأمواتاً مهما يقل عددها، حتى ولو لم تكن من شأنها أن تغير فى النتيجة، وهى ذريعة فاسدة ظلت سائدة طول الزمن، ثم ماذا لو خالف المرشح كل هذه الشروط والأحكام حتى لو واجهت اللجنة العليا للانتخابات ذلك بالصمت، أو حتى بإجراء لم تسفر عنه أى نتائج إيجابية حتى الآن!! خاصة أن ما كان يجرى فى أثناء الترشح والتصويت فى الشارع السياسى.. على بر مصر.. لم يكن يسمح بالضبط والتحقيق والحكم بطبيعة الفترة المتسارعة والمتصارعة !!
حضرات السادة قضاة النقض.. طوبى لكم.. وأنتم تباشرون سلطة التحقيق والفصل فى صحة العضوية.. وإصدار الحكم ببطلان العضوية أو بصحتها ورفض الطعن ، طوبى لكم وأنتم تمارسون اختصاصاتكم فى التحقيقات القضائية، والحكم على جميع مراحل العملية الانتخابية وألا تقف أثر التحقيقات والحكم عند صناديق الانتخاب والفرز، لأن صحة العضوية اذا كانت تنتهى عند نتائج التصويت والفرز وإعلان النتيجة، فإنها مرحلة مركبة تبدأ منذ الإعلان عن الترشح وإجراء الانتخابات.. وحتى إعلان النتيجة.. ولسوف يكون حكم محكمة النقض مدوياً وكاشفاً لوجه الحق فى صحة العضوية.. أو بطلانها.. وحرام أن يكون البطلان فى جزء منها لا يمتد الى الكل فى مواجهة الغش الانتخابى ، لأن فساد الجزء من شأنه أن يفسد الكل.. وهى صورة من حلقات متكاملة ومتصلة.. واختصاص محكمة النقض لأول مرة بعد أكثر من نصف قرن من الزمان يتصل بمشروعية الانتخابات ونزاهتها يمتد إلى إجراءات العملية الانتخابية كلها سواء تمت بعلم النواب أو دون علمهم بالواقع والقانون ، ويتطلب ذلك كله الهمة والعزم .. اسدالاً للماضى الأليم.. وإعلان للمشروعية واحتراماً لإرادة الناخبين.. وازالة أثر الغش والتزوير فى الانتخاب مهما تكن صورها.
فطوبى لمحكمة النقض عندما يحكم قضاؤها باسم الشعب الذى ينتظر أحكامكم . باسم الحق والعدل والإنصاف!! وعلى يقين أنكم لن تغسلوا أيديكم وتقولوا لنا إن هذا ذنب النصوص!! لأن القاضى وهو يطبق النص، يسعه دوماً أن يكون هو المشرع فى كل الأحوال!!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة