كأنما لا يكفى ما نعيشه، أو ما يحصرنا، جاءت حكاية بيضة المنيا...! فى البداية قلت لتكن من «النوادر»، أو لأ ضعها فى خانة الغرائب والطرائف
كأنما لا يكفى ما نعيشه، أو ما يحصرنا، جاءت حكاية بيضة المنيا...! فى البداية قلت لتكن من «النوادر»، أو لأ ضعها فى خانة «الغرائب والطرائف»،
ثم اكتشفت ان المسالة فى منتهى الجدية، وأنها مهما حاولت، إنما تلخص وضعا مأساويا، استعداله لا يتم لا بمصالحات ولا اعتذارات، وانه بدلالاته ربما يكشف عن الدرك الذى وصل إليه «العقل المصري» العام، والذى مفروض اننا نعول عليه، ولو على احد المستويات، كى نتجاوز عثرتنا... لابد من استعادة «الواقعة» لأنها بالفعل «واقعة»، ولو من حيث الدلالة. قبل عدة أسابيع، كان السيد الدكتور مدحت عبد الوهاب، وهو احد موظفينا العموميين، حيث إنه يشغل وظيفة علمية ، عمومية ، كرجل مسئول عن محطة دواجن «شوشة» بمحافظة المنيا.
وبينما كان السيد شوشة يتفقد أمور «الدواجن» بهمة واخلاص، مستعرضا صفوف الفراخ ، البياضة بالذات، أى التى ماشالله فى حالة من النضج والخصوبة، وممسكا بكل بيضة على حدة، متفحصا، عملايين البيض (على حد التعبير الذى استخدمه وهو يدلى بدلوه، بعد ذيوع الأخبار وسريانها فى الإعلام أو فى الهشيم كالنار، إذا به، وعلى غير توقع أمام المعجزة التى كادت تتوقف معه انفاسه، بيضة من بين التلاف مؤلفة من البيض، لا مثلها رأت عينه من قبل، ولا تكحلت أعيننا نحن الجماهير بشبيه لها من قبل، بيضة، مكتوب عليها لفظ الجلالة... كل ما فات على الدكتور، رجل العلم والبيطرة، من قبل كوم وهذه اللحظة كوم، يقول متعه الله بكامل صحته البدنية والنفسية، وأدام عليه علمه واتزانه، إن فرحا غامرا شمله، وإنه فى تلك اللحظة المهيبة الجليلة، ومع المفاجأة التى زلزلت الأرض من تحت قدميه، قد تمالك نفسه وتفجرت داخله طاقات، وإنه انطلق ممسكا بالبيضة المعجزة، وإنه قطع المسافة من محطة الدواجن التى شهدت المعجزة، الى مكتب سيادته، جريا.. أى والله» «جريا» وأنه والشهادة لله، ومع انه «كان خايف انها تنكسر»، إلا أنه وصل بها سليمة، وتلك ايضا معجزة.
فلنا ان نتصور وسط حالة الجيشان العاطفى المهولة التى كان غارقا فيها مديرنا الهمام، والتى باغتته لما وجد نفسه أمام البيضة المعجزة، لنا أن نتصور مدى الصعوبة التى، التى لولا شجاعة الدكتور مدحت ورباطة جأشه، ما كان له ولنا ان تتم معجزة وصوله إلى المكتب، سالما... هو والبيضة التى تحمل لفظ الجلالة، والتى سوف يحتفظ بها، عزيزة مصونة، حتى اللحظة التى تمثل معجزة ثالثة، بعد المعجزة الأولى التى هى البيضة نفسها ثم المعجزة الثانية، وهى وصوله إلى المكتب بالبيضة، سليمة، مع أنه كان بيجري، ليتسنى له ولنا أن نشهد «اللحظة» الفارقة التى ربما لم يعش نظيرا لها الدكتور مدحت، من قبل، والتى لابد أنها سوف تأسر القلوب وترطب الدواخل، وتنزل معها موسيقى النهاية المفعة بالتأثر، وأعنى تلك اللحظة التى سوف يقرر فيها السيد اللواء طارق نصر محافظ المنيا، زيارة محطة دواجن شوشة.. كرجل مسئول، عمومى همام، وهنا لن يجد السيد الدكتور مدحت عبد الوهاب أعز ولا أغلى من السيد المحافظ، ليهديه، البيضة المعجزة، طبعا بعد أن وسدها علبة مبطنة باللون البرتقالي، وربما وقع الاختيار على اللون البرتقالى بالذات، لأنه الأقرب الى لون صفار البيض، أو لأسباب خفية تخص السيد مدحت نفسه، الذى لم يفصح عن طبيعة المادة التى تم بها تبطين العلبة باللون البرتقالى، هل كانت نسيجا كقماش القطيفة أو الحرير، أو مجرد ورق «كريشة»، الله أعلم.
وهنا لابد من أخذ نفس عميق والتهيؤ إلى واحدة من الأوقات التى قلما يشهدها الدهر، دهرنا الذى هرمنا فيه من شهود المعجزات،.. فالسيد المحافظ ما ان تسلم العلبة المبطنة «بالبرتقالي»، وتأمل البيضة المعجزة، حتى استقرت الدلالة، دلالة البيضة التى تحمل لفظ الجلالة، وكيف أنها تجسيد لقدرة الله عز وجل، الذى يسبح بحمده وعظمته كل ماحولنا. طبعا السيد المحافظ، ظهرت هو الآخر صوره متفقدا البيض والدجاج، وبالذات صور بعينها ممسكا بالبيض، الذى كان من اللون الأبيض كبير الحجم، وان كان أحد الـ «يعوز بالله» الذين لم يتأثروا بالمعجزة، قد حاول، و«اليعوز بالله» أن يشككنا، بالقول ان هناك مفارقة غير مفهومة، وهى ان الدجاج الذى ظهر فى الصور مع السيد المحافظ كان من اللون البنى الذى يبيض بيضاً بنياً وليس بيضا أبيض.
وطبعا هذا رأى مشكك ومندس، وربما كان يكشف عن كفر بالمعجزات الدجاجية البيضية البيطرية والتى لا نعرف كيف كان الايمان سيكون وضعه، لو لم تظهر.. و «اليعوز بالله». والحمد لله ان تداركت محافظة المنيا العواقب وانها قطعت الطريق، على أمثال هذا المندس، ببيان إعلامى واسع الانتشار، عن تفاصيل ماجري، مصحوباً، بلقطات أغلبها للسيد المحافظ، والأهم للبيضة المعجزة، بتعرجاتها التى لم تسلم، هى الأخرى من غمز كاشف عن عدم إيمان البعض، بين قائل إن الأمر لا يعدو كونها بيضة كملايين البيض التى يتفحصها (يوميا.. «خللى بالنا») الدكتور مدحت وان ماظهر لا يعدو أن يكون بعض التعرجات..
وهنا استعيذ من الشيطان، وأعوذ بالله، من استخدام أى علامة من علامات الترقيم التى من شأنها أن تشير إلى تعجب أو تساؤل، والتى ربما فى مثل هذه الظروف قد يحرض عليها شيطان «العقل»، وأعوذ بالله من أى استقراء للدلالات، قد يقود إلى التساؤل عن حال موظفى مصر العموم، ومستوى مدركاتهم، وطبيعة مايروجونه من آليات التفكير، وأستعيذ من شر التفكير والتعقل، وبالذات من الانسياق وراء السؤال الذى قد يسيطر عندما نرى صفوة موظفى الدولة بهذا التكوين المعجز، والذى كان فى انتظار ظهور البيضة المعجزة، ليؤكد ويتأكد من ان كل ماحولنا «يسبح بحمد الله»،.. أو ربما يشطح بنا إعمال العقل والعوذ بالله ونفكر والعوذ بالله، فيما سوف تصح عليه حياتنا، بالاستمرار مع هذه الأنماط من الأدمغة، ودلالات وآه من الدلالات، دلالات الواقعة، التى هى بالفعل واقعة تنم على.. أكمل باقى الكلمات.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة