عندما يكون سبب المشكلة فى الجوهر وليس فى المظاهر الخارجية يستخدم عوام المصريين تعبيرا ساحرا يقول إن «العيب فى السيستم
عندما يكون سبب المشكلة فى الجوهر وليس فى المظاهر الخارجية يستخدم عوام المصريين تعبيرا ساحرا يقول إن «العيب فى السيستم» أى أن «العيب فى النظام»، وهو ما ينطبق تماما على أزمة تجاوزات رجال الشرطة ضد المواطنين، فى حين يحاول الكثيرون الالتفاف على هذه الحقيقة وتصوير هذه التجاوزات باعتبارها تصرفات فردية من جانب أمناء الشرطة فقط.
فهذه التجاوزات ليست إلا تعبيرا عن خطايا النظام السياسى الحاكم ككل وليس فقط عن أخطاء فى جهاز الشرطة. فالنظام بكل مكوناته أطلق يد الأمن ضد المجتمع تحت شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة» ضد الإرهاب، وأصبح تلفيق الاتهامات للمعارضين والتنكيل بهم بعد وضعهم تحت لافتة «الإخوان» أمرا مقبولا من أعلى المستويات فى النظام السياسى. كما يلعب الإعلام الموالى دورا إجراميا عندما يبرر لتجاوزات الحكومة بكل مكوناتها ويدافع عنها بدعوى أن الظروف التى تمر بها البلاد تفرض ذلك، فأصبح لدى قطاعات واسعة من المجتمع استعداد للقبول بالعنف والانتهاكات مادامت تستهدف المختلفين معهم.
تجاوزات رجال الشرطة ترجمة لفلسفة نظام حكم وضع رهانه على مؤسسات القوة لكى يحكم قبضته على السلطة، خاصة بعد أن كشفت تطورات العامين الماضيين عن فشل سياساته الاقتصادية والاجتماعية التى أدت إلى مزيد من الفقر وتدهور الأوضاع. وفى حين يرفع النظام راية التقشف «وما باليد حيلة» عندما يتعلق الأمر بمطالب البسطاء والفقراء وعامة الشعب، رأيناه على مدى العامين الماضيين ينفق بسخاء على الذين أسعدهم الحظ فكانوا جزءا من «مؤسسات القوة» العابرة للسلطات.
وإذا كان نظام الحكم جاد بالفعل فى السعى لوقف الانتهاكات والتجاوزات فعليه أن يتوقف عن ترديد نغمة «الظروف الحرجة» و«المؤامرات الخارجية» و«التحديات الداخلية» التى تفرض التضحية بالحقوق والحريات من أجل الأمن والأمان، لأنه ما من مجتمع يضحى بحريته من أجل الأمن إلا ويخسر الاثنين معا.
الشرطة مرفق مهم من مرافق الدولة والقضاء مرفق مهم من مرافق الدولة والجيش مرفق مهم ولا يمكن للشعب أن يعيش بدون شرطة أو جيش أو قضاء، لكنه أيضا لا يمكنه أن يعيش بدون عمال النظافة ولا بدون أطباء ولا بدون مدرسين ولا حتى بدون فلاحين. الإقرار بهذه الحقيقة هى بداية الإصلاح إن أردنا، وعلينا التوقف عن تمجيد أى قطاع على حساب قطاعات أخرى من المجتمع. فالضابط شخص مهم للمجتمع، وكذلك الزبال والمدرس والطبيب والبائع على عربة الفول فى الشارع ولا يمكن لحياة المصريين أن تستقيم بدون أى من هؤلاء.
«الوظيفة ليست مصدر للسلطة لكنها وسيلة لأداء خدمة» هذه الحقيقة الغائبة عن الكثيرين هى سبب نكبة البلاد، فتحولت بعض الوظائف التى يدفع المواطن الغلبان نفقاتها إلى سوط فى يد أصحابها يلهب بها ظهور الغلابة تحت شعار «انت ما تعرفش أنا مين؟» الذى نسمعه كثيرا كلما حاول أحد تطبيق القانون على أحد من «أبناء الأكابر»، بدءا من مخالفتهم لقواعد المرور وانتهاء باعتدائهم على أملاك الدولة والمال العام.
ولأن الطبقة الحاكمة تحتكر لنفسها ولمن والاها هذه «الوظائف مصدر السلطة» فمن الطبيعى ألا نرى رغبة جادة فى الإصلاح والتغيير، لكن الواقع يقول إنه إذا لم يسارع نظام الحكم بترشيد جموح أجهزته وإصلاح عيوبه، فإن الشعب سيجبره على ذلك، لأن هناك أجيالا جديدة لم تعد مستعدة للقبول بالتجاوزات أو الصمت عليها. وما حدث فى الأقصر قبل شهور وفى الدرب الأحمر قبل أيام خير دليل.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة