كنت منذ الصغر من محبي رياضة الملاكمة (المشاهدة فقط)، لكن متابعة المناظرة الأخيرة بين المرشحين الجمهوريين للرئاسة كانت أكثر إمتاعا
كنت منذ الصغر من محبي رياضة الملاكمة (المشاهدة فقط)، لكن متابعة المناظرة الأخيرة بين المرشحين الجمهوريين للرئاسة كانت أكثر إمتاعا وتشويقا.
فالملاكمة ليست فقط توجيه اللكمات وتفاديها بل إنها تكافئ من يدمي وجه منافسه أو يتفوق عليه بالنقاط أو يقضي عليه بالضربة القاضية، وهذا ما رأينا محاولات كثيرة لتحقيقه في المواجهة الثلاثية غير المسبوقة بين دونالد ترامب، ومنافسيْه على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عضوي مجلس الشيوخ تيد كروز و ماركو روبيو.
ربما كان هذا هو السبب الذي دعا المعلق السياسي الشهير تشارلز كراوتهامر لوصف المناظرة بأنها "صراع الأدغال" وهو اللقب الذي توصف به المباراة الثالثة التاريخية بين محمد علي وجو فريزر. عفوا كان هناك مرشحان آخران على خشبة المسرح في تكساس (جون كاسيك حاكم أوهايو والجراح السابق بن كارسون) لكنهما كانا على هامش المنصة وأيضا هامش الحوار حتى إن كارسون قال مرة ساخرا للفت النظر إليه: أليس هناك من يهاجمني؟.
دخل الثنائي كروز وروبيو مناظرة (معركة) الخميس وليس لدي أي منهما ما يخسره. فقد حقق ترامب انتصارات ساحقة في كل الولايات التي أجريت فيها الانتخابات حتى الآن باستثناء ولاية أيوا، وتشير استطلاعات الرأي إلى تفوقه الكبير في 12 ولاية ستجرى فيها الانتخابات أول مارس (الثلاثاء الكبير)، وحتى في ولاية تكساس التي ينتمي إليها كروز فإنه يتقدم بفارق ضئيل للغاية على ترامب، أما ولاية فلوريدا التي ينتمي إليها روبيو فإن ترامب يتقدم فيها بنسبة ١٦٪ في آخر استطلاع، ولو خسر أي منهما في ولايته فسيكون ذلك إعلانا بنهايته، فماذا ينتظران؟ لا شيء.
بدأ الاثنان المناظرة وبينهما ترامب ولم يترددا في تسديد الضربات له منذ اللحظة الأولى بلغة يتجاوب معها الناخب المحافظ: فخططه ليست بعيدة تماما عن قانون أوباما للرعاية الصحية، وهو ليس قويا كما يزعم ضد المهاجرين غير الشرعيين فقد كان يستأجرهم للعمل في مشروعاته، وهو ليس مؤيدا قويا لإسرائيل كما يقول بل إنه يريد أن يكون "وسيطا أمينا".
نعم كان هذا اتهاما له من ماركو روبيو الذي يرى أن الفلسطينيين هم المسئولون عن فشل كل جهود التسوية، وأنه لا يمكن عقد صفقات مع الإرهابيين.
من جانبه دخل ترامب المناظرة وهو متقدم بفارق كبير، أفضل ما يفعله أي مرشح في هذه الحالة هو الخروج بدون إصابات قوية. وقد فعل ما يستطيع لصد ذلك السيل الجارف من الهجمات من يمينه ويساره.
انظروا لمثل هذا التبادل بين ترامب وروبيو:
ترامب: هذا شخص (يقصد روبيو) اشترى بيتا بـ١٧٩ ألف دولار، ثم باعه لعضو في جماعة ضغط (لوبي) بـ٣٨٠ ألفا ثم سمح بتمرير القانون الذي يريده، هل هذا من نريده رئيسا؟
روبيو: لقد ورث (ترامب) مائتي مليون دولار، وبدونها ربما كان يبيع الآن ساعات في شوارع مانهاتن.
أنا أتابع الانتخابات الأمريكية عن قرب منذ عام ١٩٩٢، لكن ما يحدث هذا العام ليس له مثيل. فماذا كانت النتيجة؟
لا شك أن ترامب تعرض للكثير من الضربات، وربما خسر بعض النقاط، لكنه متقدم بفارق كبير بحيث يصعب على أي من منافسيه أن يلحق به. وقد لوحظ أن مؤيديه لا يتخلون عنه رغم كل ما يثيره من زوابع سياسية. وحتى عندما هاجمه البابا فرانسيس بابا الفاتيكان كانت المفاجأة أن ترامب استفاد من ذلك الهجوم، وربما جاءته هدية أخرى من السماء عندما هاجمه الرئيس السابق للمكسيك فينسنت فوكس قائلا إن المكسيك لن تدفع في بناء الحائط (كلمة خارجة) الذي يريد ترامب بناءه. وهو يقصد بذلك الحائط الذي يقترحه ترامب على الحدود مع المكسيك لمنع مرور الهجرة غير الشرعية والمخدرات إلى أمريكا، حيث يؤكد ترامب أنه سيجبر المكسيك على الإنفاق على بناء ذلك الجدار لأن هناك عجزا كبيرا يصل إلى ٥٩ مليار دولار في التجارة مع المكسيك.
هذه المعارك الجانبية دائما تأتي لصالح ترامب الذي يجيد توجيه الجدل في وسائل الإعلام لصالحه، ولو نجح في إبراز هذا الموضوع خلال الأيام المتبقية على (الثلاثاء الكبير) فإن ذلك سيضمن له إنهاء أي قوة دفع يخرج بها روبيو أو كروز من مناظرة الخميس.
لقد أبدى ماركو روبيو الكثير من التردد في مهاجمة ترامب حتى الآن، بل واكتفى بمنافسة كروز والمرشح السابق جيب بوش وآخرين باعتباره المرشح القادر على حشد الأصوات المناهضة لترامب. وركز روبيو صراعه في المناظرات السابقة على تيد كروز، لكنهما أدركا أنهما يضعفان بعضهما البعض بينما يستفيد ترامب من ذلك الصراع. مناظرة الخميس كانت تحولا في استراتيجيتيهما ووجه كل منهما أسلحته لمتصدر السباق. السؤال الآن: هل هذا يكفي؟
المؤكد أنهما تأخرا كثيرا، لكن يبقى أن نرى كيف سيؤثر ما حدث في ديناميكية الصراع يوم الثلاثاء القادم وعندها يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في "صراع الأدغال" الجمهوري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة