سيجد لبنان نفسه وحيداً إذا تدهورت أزمته الحالية مع دول الخليج العربي وتحولت إلى مواجهة ديبلوماسية. فليس لدى لبنان اليوم حلفاء
سيجد لبنان نفسه وحيداً إذا تدهورت أزمته الحالية مع دول الخليج العربي وتحولت إلى مواجهة ديبلوماسية. فليس لدى لبنان اليوم حلفاء على استعداد لتقديم أي نوع من التضحيات دفاعاً عن سياسة خارجية خرقاء وضعت الحكومة اللبنانية في تناقض مع الإجماع العربي.
وقع لبنان في الهوة الفاصلة بين معسكرين يرتفع منسوب التوتر بينهما ويكاد يتحول صراعاً عسكرياً مباشراً. بين المعسكر السعودي الذي تتحلق حوله دول الخليج وأكثرية الدول العربية، وبين المعسكر الإيراني. لم ينفع تذاكي وزير الخارجية اللبناني ولا البيانات التي أصدرتها وزارته في محو الشعور بالإهانة في الرياض لرفض لبنان إدانة الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد.
قادنا انعدام السياسة المسمى «النأي بالنفس» إلى أن نجد أنفسنا في الخندق الإيراني من الصراع الدائر والتحول إلى الطرف الأضعف والمعزول في الحرب الإعلامية والسياسية المستعرة.
وعلينا ألا ننتظر نجدة من أحد، ذلك أن الانقسامات اللبنانية كفيلة أيضاً بمنع وصول المدد من أي جهة.
وهو الانقسام ذاته الذي ساهم مساهمة أساسية في صوغ فكرة «النأي بالنفس» التي تعبر من ناحية عن العجز عن تشكيل إجماع وطني حول قضايا المنطقة ومن ناحية ثانية عن الهشاشة الفائقة حيال هذه القضايا.
فلم يكن اللبنانيون بقادرين على إعلان موقف موحد من الثورة السورية ولا من نظام بشار الأسد من جهة، ولم يكونوا قادرين على التخلي عن مصالحهم المتشابكة والواسعة مع دول الخليج، من جهة ثانية.
لكن موسم التسويات الصغيرة انتهى على غير ما يشتهي «اللبناني الذكي» والتاجر الأزلي الذي أشاد به ميشال شيحا. لقد وصلنا إلى نهاية رحلة التقافز تحت السقوف الآمنة وشعرنا فجأة بعبء المسؤولية الجسيمة عن إدارة دولة وبلد.
وهو شعور مشابه لذاك الذي خامرنا بعد انسحاب القوات السورية في 2005. يومها أمكن «القوى السيادية» أن تعتد بالتحالف مع إدارة جورج دبليو بوش الاقتحامية التي جاءت إلى المنطقة بمشروع إعادة بناء الدول الذي جربته في العراق. لا حليف يُركن إليه في البيت الأبيض حالياً.
بمعنى ما، يقف اللبنانيون في الوقت الراهن أمام تجربة استقلالية من نوع خاص. لقد حملت الأزمة مع السعودية اللبنانيين على النظر الى ما بين أيديهم من أدوات سياسية وديبلوماسية نظرية جدية، ربما للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
المأساة انهم لم يعثروا على ما يعينهم في عثرتهم الحالية.
لا حلفاء، لا أصدقاء، لا وحدة وطنية، لا اقتصاد، لا شيء تقريباً مما يمكّن الدول من الصمود في الأوقات الصعبة.
جلي أن الموقف الحالي سيرفع إلى درجة الغليان حرارة التوتر في لبنان.
وفي بلد لم يعتد سياسيوه منطق التسويات والحلول الوسط إلا بعد تعرضهم للهزائم، فالأرجح أننا سائرون إلى مزيد من التعقيد في الوضعين السياسي والاقتصادي، ما قد يترافق مع انهيارات أمنية وعسكرية في أكثر من منطقة.
من بين التصريحات التي أوردتها الصحف في الأيام القليلة الماضية، ما يشير إلى أن لبنان، من بين دول مجاورة، فقَدَ تماسكه وبات على طريق الاختفاء وأنه «أصبح في منتصف الهاوية».
بغض النظر عن صحة هذه التصريحات ونسبتها، يتعين الاعتراف بأن اللبنانيين مسرعون نحو الاصطدام بالجدار الذي يسد آخر نفقهم الطويل.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة