شهادة ميلاد جديدة لـ"سايكس بيكو"
تصريحات "هايدن" تثير الجدل.. وصحف أمريكية تنشر خرائط التقسيم
تصريحات لـ"مايكل هايدن"، رئيس المخابرات الأمريكية السابق، تحمل في طيّاتها إعلانًا لاتفاقية "سايكس-بيكو" جديدة وصحف أمريكية تنشر الخرائط
"الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهيارا بالاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضا انهيارا في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول بأن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجودا ولن يعود كلاهما أبدا، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة".
كان ما سبق جزء من تصريحات مايكل هايدن، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، أدلى بها قبل يومين، في حوار عبر قناة "سي إن إن" الأمريكية، وتعد تلك التصريحات مؤشرا على أن هناك خططا لإعادة تقسيم الخريطة العربية، لا سيما مع سقوط الكثير من دول الشطر العربي في هاوية العنف وعدم الاستقرار، ثم ظهور حل "سحري" لوقف إطلاق النار في سوريا بعد سنوات من الاقتتال في جبهاتها، بضغط "أمريكي-روسي" على جميع الأطراف المتحاربة، باستثناء الجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وما شابههم.
ويعتبر المراقبون أن العالم يشهد محاولة لإحياء اتفاقية "سايكس-بيكو" من خلال خريطة جديد تغير ملامح العالم العربي، وخاصة مع تدخل الغرب المباشر في عمليات المراقبة والتحليل للموقف المشتعل في المنطقة.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا المنطقة العربية بالذات؟.. ولماذا يسكت الغرب عن الجماعات المسلحة التي تحاول تأسيس كيانات مستقلة ذات أساس طائفي أو عرقي تجر المنطقة إلى صراعات دائمة؟
الإجابة تأتي في أسباب اتفاقية سايكس بيكو الأولى سنة 1916، والتي أتت كاتفاق بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية في ذلك الوقت، بعد سقوط الدولة العثمانية، لتقسيم منطقة الهلال الخصيب، التي شملت لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، وأدى ذلك الاتفاق الى تحويل العالم العربي إلى دول مستقلة تسيطر عليها فرنسا وبريطانيا للاستخدامات اللوجستية ووضع قاعدة للتحرك الغربي في غرب آسيا.
بعد استقلال الدول في المنطقة العربية، تحول التعامل معها من "مستعمرات" تابعة لها إلى منطقة موارد تشتري بثمن بخس ليعاد تصنيعها وبيعها إلى ذات الأسواق التي وفرت تلك الموارد بأضعاف أسعارها إلى المستهلك العربي.
لكن ومع ظهور الاحتجاجات والثورات، كشف ذلك التغير عن كبت يعانيه معظم سكان المنطقة نتيجة للأوضاع المزرية التي خلفتها تلك الاتفاقية على الكثير المجتمعات العربية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، والتي أربكت حسابات الكثير من الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة.
رُصدت الكثير من الدلائل في مراسلات هيلاري كلينتون التي نشرها موقع الخارجية الأمريكية، عن الرقابة اللصيقة للأجهزة الأمنية الأمريكية لكثير من الدول التي كانت تحاول لمّ شملها بعد الثورات، والبارز في تلك المراسلات هو ظهور توجيهات من هيلاري شخصيا، أثناء توليها الوزارة، بدعم بعض القوى الليبية على حساب الآخر، مما أدى إلى انقسام الأطراف وعودة العنف في ليبيا، وقد تم إزالة تلك المراسلات من على موقع وزارة الخارجية الأمريكية بعد نشرها بفترة قصيرة.
الجدير بالذكر أن الكثير من المستشرقين مثل بيرنارد لويس قد وضعوا خريطة جديدة لتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة، مبنية على خريطة الصراعات العرقية والطائفية الموجودة في دول مثل العراق وسوريا واليمن، لكن بعض الخبراء والمحللين نظروا أبعد من ذلك، ويعتبرون أن تنظيم داعش الإرهابي ما هو إلا صناعة غربية، وحجر أساس لبداية تنفيذ هذه المخططات التي تلعب على الوتر الطائفي الديني.
الحديث عن هذه المخططات بات واضحا في العديد من الدوريات والمجلات الغربية، ونشرت كل من صحيفة "نيويورك تايمز" ومجلة "تايم" الأمريكيتين مؤخرا، تلك الخرائط التي توضح خططا لتقسيم كل العراق وسوريا وليبيا إلى 14 دولة، وبعيدا عن كل التكهنات، يلاحظ أن الأمر قد خرج عن السيطرة بعد التمدد السريع والخاطف للتنظيمات الإرهابية في كل من العراق وسوريا والقائمة على أسس طائفية مذهبية هي الأخرى.
تصريحات هايدن تحمل معانيَ مخيفة لما قد يحدث في السنوات القليلة المقبلة، حيث إن النمو السريع للجماعات المتطرفة، وإطلاق يد دول أخرى راعية للإرهاب، مثل إيران، هو في الغالب محاولة لتسريع وتيرة التقسيم للبلدان التي وصفها هايدن بأنها "لم تعد موجودة" ومحاولة نشر القلق وعدم الاستقرار بين الحدود الحالية لدفع عملية تقسيم جديدة تسهل للغرب وضع يده على الموارد وبسط نفوذه الاستراتيجي على المنطقة وإعادة مستعمراته التي فقدها.
aXA6IDEzLjU4LjE2MS4xMTUg جزيرة ام اند امز