أكثر من نصف نساء الأردن يتعرضن للعنف الجسدي "العائلي"
أصل العنف ضد النساء يكمن في "ذكورية المجتمع" وثقافة الصمت، وعمل المرأة يجعلها مصدرا للدخل المادي لأسرتها، مما يدعم وجودها ويحميها.
نشرت جمعية معهد تضامن النساء الأردني مؤخراً مسح السكان والصحة الأسرية في الأردن الذي بين أن أكثر من نصف السيدات الأردنيات يتعرضن للعنف الجسدي بحسب العينة، التي تم دراستها لنساء متزوجات تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما، تعرضن للعنف من قبل أشخاص محددين ضمن إطار العائلة.
وأظهر المسح أن الأزواج الحاليين والأخوة والآباء هم أكثر الأشخاص ارتكاباً للعنف الجسدي ضد المرأة الأردنية، حيث أفادت 56.9% من المتزوجات بتعرضهن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن الحاليين، وأفادت 27% منهن بتعرضهن للعنف الجسدي من قبل الأخوة، و 21.2% منهن تعرضن للعنف الجسدي من قبل الآباء، بالإضافة إلى نسب أخرى.
هيمنة الرجل
وترى مريم (اسم مستعار) أن المرأة دوماً تشعر بالضعف، وهنالك هيمنة واقعة عليها من قبل زوجها وعائلتها، فحين تتزوج تخضع لسلطة الزوج، وقبل ذلك يتشارك الأب والأخوة والأم التدخل بحياتها بحجة الخوف عليها، وبالرغم أن المرأة اليوم قادرة على تمييز الصحيح من الخاطئ، إلا أنها لا تستطيع اتخاذ قرارتها دون استشارة هذه المراجع في حياتها.
تقول مريم: "المشكلة الحقيقية أن المرأة اذا تعرضت للعنف تخاف أن تذهب وتشكو زوجها أو عائلتها للجهات المختصة، وإذا كان لديها أطفال فهي تتحمل العنف ولا تخبر أحدا خوفا من الطلاق وتشرد الأطفال، ويوجد ثقافة سائدة في المجتمع أن المرأة لا يضربها زوجها إلا إن كانت تستحق ذلك، وهذا أمر ظالم، لأن الزوج أحياناً يكون غير منصف، أو قادم من أسرة اعتاد فيها بأن يرى أمه وأخته تتعرض للعنف بشكل طبيعي".
أثر سلبي
أما منى معايطة، وهي أم لأربعة اطفال، تقول إن الزوجة هي من تسمح لزوجها أن يعتدي عليها، فإن شعر للحظة أنها ترفض العنف بأشكاله سيحاول أن يمنع نفسه ويتغير سلوكه مع الوقت، لافتة إلى أن الأب يلعب دورا كبيرا في حياة ابنته ويجب أن يحترمها أمام زوجها، فالزوج يلاحظ طريقة تعامل عائلتها معها وينعكس هذا على اسلوبه.
تضيف منى: "من الممكن أن يخرج الأب أو الزوج عن طبيعته ويتصرف بعنف، ولكن إن تم تكرار هذا السلوك ليصبح أداة لحل المشكلات مع الزوجة أو الأخت فهنا تكمن المشكلة، العنف الجسدي أو النفسي يترك آثارا سيئة على المرأة ومن الصعب نسيانه، ويؤثر بدون شك على علاقة المرأة بزوجها وعائلتها".
ضعف المعرفة القانونية
ويؤكد منير إدعيبس، المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، أن ثقافة الصمت التي تسيطر على العديد من المتزوجات تعرضهن للمزيد من أعمال العنف المرتكب من أقرب الأشخاص إليهن وتماديهم في ارتكابه.
وأوضح أن هذه الثقافة تعود لأسباب متعددة منها اعتقادهن بأن مصيرا مجهولا قد يواجهنه في حال تقديمهن شكوى للجهات المختصة، وضعف معرفتهن القانونية والخطوات الواجب اتباعها عند تعرضهن للعنف، خاصة إذا نتج عنه إصابات وجروح جسدية قد تعرض حياتهن للخطر، بالإضافة إلى الأضرار النفسية والمعنوية.
ويدعو إدعيبس الجهات المعنية، الحكومية وغير الحكومية، إلى زيادة الاهتمام وبرامج التوعية والإرشاد النفسي والاجتماعي والقانوني للمتزوجات الأردنيات وحمايتهن من العنف بكافة أشكاله ومن التمييز والتهميش، وإلى الاستماع لآرائهن وإشراكهن في صياغة أية برامج أو سياسات تتعلق بهن من النواحي التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ودعا إلى حشد الطاقات والجهود للقضاء على العادات المسيئة كالزواج المبكر، وإلغاء النصوص القانونية التمييزية. كما دعا الأسر إلى إعطاء المزيد من العناية لهن وتوجيههن صحياً ونفسياً وتعليمياً ومعاملتهن كباقي أفراد الأسرة من الذكور بجو من عدم التمييز والحرمان والعنف.
ويقول: "لا ننسى أن العنف ضد النساء والفتيات مكلف اقتصادياً، عبر تكاليف مباشرة كتكاليف العلاج من الإصابات الجسدية والنفسية من مستلزمات طبية وأدوية والإجازات المرضية والتغيب عن العمل، وتكاليف غير مباشرة كتلك المتعلقة بتدني إنتاجية النساء والفتيات نتيجة العنف وبالتالي ضعف مساهماتهن في الناتج المحلي الإجمالي. علماً بأن آثار العنف الممارس ضدهن خاصة الآثار النفسية تلازمهن لفترات طويلة قد تمتد لطول فترة حياتهن".
وأضاف أن تعزيز وحماية حقوق النساء والفتيات والقضاء على العنف ضدهن سيعود بالفائدة المالية على الأردن الذي ينفق ملايين الدنانير شهرياً لتقديم الخدمات الصحية للنساء المعنّفات وتأمين الرعاية الإجتماعية والإيوائية، ويقدم المعونات النقدية للنساء خاصة اللاتي يرأسن أسرهن، كما يفقد الأردن شهرياً ملايين أخرى بسبب تعطل النساء والفتيات المعنفات سواء عن القيام بأدوارهن داخل منازلهن أو في أماكن عملهن.
المجتمع الذكوري
أما الدكتور عودة أبو سنينة، رئيس قسم الأصول التربوية في جامعة عمان العربية، فيرى أن أصل العنف ضد النساء هو المجتمع الذكوري، وطريقة الفكر السائدة في أن المرأة ضعيفة وغير قادرة على السيطرة بشكل أو بآخر على حياتها، خاصة اتخاذ القرارات المفصلية التي تؤثر عليها بشكل مؤكد، "ومن هنا يبدأ تدخل الرجل سواء أكان الأخوة والزوج وغيره، واذا اعترضت المرأة على أي فكرة صادرة من هذه الجهات ستواجه حملات مع العنف الموجه ضدها كونها الحلقة الأضعف".
وأعرب عن اعتقاده أن عينة الدراسة تم أخذها من أماكن سكن بعيدة عن المدن، لأن نسبة تعليم المرأة في المدن عالية، وكذلك مشاركتها في العمل والمناصب العليا، وعندما تتعلم المرأة تقل نسبة تعرضها للعنف بجميع أشكاله، فالتعلم ينقذ المرأة من ظلمات المجتمع، وتصبح قوتها فعالة وعنصر أساسيا بتطور المجتمع، لافتا إلى أن عمل المرأة يجعلها مصدرا للدخل المادي للأسرة مما يدعم وجودها ويحميها.
aXA6IDMuMTQ1LjQ3LjE5MyA= جزيرة ام اند امز