بعد 80 عاماً.. الجدل يتجدد حول مستقبل الفرنك الأفريقي
مع اقتراب الذكرى الثمانين لتدشين الفرنك الأفريقي، وبعد 14 شهراً فقط من الموعد المعلن لإطلاق العملة الموحدة «الإيكو» في غرب أفريقيا، يعود الجدل حول مستقبل العملة الأكثر قدماً في أفريقيا، بحسب صحيفة «جورنال دو مالي».
بين من يراها رمزًا للاستقرار الاقتصادي ومن يعتبرها أداة تبعية سياسية، تسعى دول المنطقة لإعادة رسم ملامح مرحلة نقدية جديدة تُوازن بين الاستقلال المالي والانتماء الإقليمي.
تاريخ طويل وإرث ثقيل
وأُنشئ الفرنك الأفريقي في 26 ديسمبر/كانون الأول 1945 تحت اسم "فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا".
ومع استقلال الدول، تغير اسمه إلى "فرنك المجموعة المالية الأفريقية" في غرب القارة، و"فرنك التعاون المالي في أفريقيا الوسطى" لدول منطقة فرنك المجموعة المالية الأفريقية.
ورغم التغييرات العديدة، أبرزها تخفيض قيمته عام 1994 وإصلاح نظامه النقدي عام 2019، لا يزال الفرنك الأفريقي يمثل محوراً حساساً في النقاشات الاقتصادية والسياسية الأفريقية.
فالإصلاحات الأخيرة ألغت إلزام الدول بإيداع احتياطاتها في الخزينة الفرنسية، كما سُحبت عضوية ممثلي فرنسا من مجلس إدارة البنك المركزي لدول غرب أفريقيا.
استقرار نقدي أم قيد على السيادة؟
ما يزال ربط العملة باليورو (1 يورو = 655.957 فرنك أفريقي) عاملًا أساسيًا في ضمان استقرار الأسعار وجذب الاستثمارات، رغم أنه يقلّص من مرونة السياسات النقدية للدول الأعضاء.
وتشير بيانات البنك المركزي لدول غرب أفريقيا إلى أن الناتج الإقليمي نما بمعدل 5.7% عام 2024، مع تضخم بلغ 3.4% فقط، وهي من النسب الأدنى في القارة.
أما الاحتياطات النقدية فتقدر بـ16.1 مليار يورو، تكفي لتغطية أكثر من أربعة أشهر ونصف من الواردات.
- إثيوبيا تتوقع نموا يتجاوز 10% بفضل مشاريع التنمية الكبرى.. النهضة مستمرة
- ناتاشا فيلجوين.. جنوب أفريقية تقود أكبر شركة لتعدين الذهب في العالم
إصلاحات 2019.. خطوة نحو الاستقلال
وقعت دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) وفرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2019 اتفاقًا لإصلاح "منطقة الفرنك"، نص على تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي، مع الإبقاء على الضمان الفرنسي لقابلية التحويل وثبات سعر الصرف.
غير أن هذا النظام، وإن حافظ على الثقة والاستقرار، أبقى التساؤلات قائمة حول مدى قدرة أفريقيا على صياغة سيادتها النقدية الخاصة.
الإيكو.. حلم الوحدة النقدية
تسعى الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) إلى إطلاق العملة الموحدة "الإيكو" بحلول عام 2027، شريطة التزام الدول بمعايير التقارب المالي: عجز موازنة لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي، تضخم منخفض ومستقر، احتياطيات تكفي لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات، ودين عام أقل من 70% من الناتج.
لكن حتى الآن، بلدان معدودة فقط تستوفي هذه المعايير، ما يجعل الإطلاق المنتظر خطوة تدريجية أكثر من كونها شاملة.
ويتوقع أن تكون الإيكو عملة إقليمية ذات سعر صرف مرن مرتبط بسلة من العملات العالمية، تُصدرها بنك مركزي فيدرالي موحد.
جدل السيادة النقدية
ويرى الخبير الاقتصادي إتيان فاكابا سيسوكو أن النقاش حول الفرنك الأفريقي ليس تقنيًا فحسب، بل سياسي ورمزي أيضًا: "لقد حققت منطقة الفرنك استقرارًا نقديًا، لكنها لم تُحدث تحولًا هيكليًا في الاقتصادات الأفريقية. السؤال الحقيقي هو: من يُقرّر السياسة النقدية الأفريقية؟ ولصالح من؟".
أما الاقتصادي موديبو ماو مكالو فيرى أن الانتقال إلى الإيكو يجب أن يتم بشكل تدريجي ومدروس، عبر بناء صندوق استقرار إقليمي وتنسيق السياسات المالية لتعويض ضعف المرونة النقدية الحالي.
مالي ودول الساحل بين ثلاث دوائر
وتجد مالي نفسها اليوم عند مفترق طرق بعد خروجها، مع النيجر وبوركينا فاسو، من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مطلع 2025 وتأسيسها تحالف دول الساحل (AES).
ورغم بقاء هذه الدول ضمن منطقة UEMOA، فإن موقعها داخل المشروع النقدي الجديد بات غامضًا.
ويحذر بعض الخبراء من اندفاع هذه الدول نحو عملة مستقلة دون استعداد كافٍ، مشيرين إلى أن اقتصاداتها "تعاني من عجز تجاري" وأن أي عملة جديدة "قد تزيد من تكاليف المعاملات وتزعزع استقرار الأسعار".
دروس من التاريخ وتجارب سابقة
وأظهرت تجربة غينيا (1960) وموريتانيا (1973)، اللتين غادرتا منطقة الفرنك، أن الانتقال النقدي المفاجئ قد يسبب أزمات تضخمية حادة ونقصًا في السيولة إذا لم تُرافقه احتياطات كافية وآليات تثبيت فعّالة.
نحو انتقال تدريجي وواقعي
ويتفق معظم الاقتصاديين على أن مستقبل الفرنك الأفريقي يتجه نحو مرحلة انتقالية لا قطيعة مفاجئة. فبحسب مكالو، "النجاح في بناء الإيكو يتوقف على دور القطاع الخاص في تعبئة الادخار المحلي، وتوسيع الأسواق المالية الإقليمية، وتمويل الاستثمارات الإنتاجية".
وفي أحدث تقاريرها، شددت البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BCEAO) على أن الهدف الأسمى يظل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وحماية القدرة الشرائية، مؤكدًا أن المنطقة ما تزال تمتلك "أسسًا اقتصادية قوية" رغم التحديات الأمنية والمناخية.
بعد ثمانية عقود من الوجود، يبدو أن الفرنك الأفريقي يدخل مرحلة حاسمة من تاريخه. فبين دعوات الانفصال ونداءات الإصلاح، يسعى غرب أفريقيا إلى بناء سيادة نقدية واقعية تجمع بين الاستقرار، التكامل الإقليمي، والاستقلال المالي التدريجي، لا القطيعة المفاجئة.
مع اقتراب الذكرى الثمانين لتدشين الفرنك الأفريقي، وبعد 14 شهراً فقط من الموعد المعلن لإطلاق العملة الموحدة
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTgg جزيرة ام اند امز