رفعت سلام:«المائة كتاب» دليل على عدم صحة "العزوف عن القراءة"
«الروائع المائة» تهدف لترجمة أهم 100 كتاب في الأدب العالمي ظهر منها 25 كتابًا حققت نجاحًا كبيرًا.. هنا مقابلة مع رئيس تحريرها
بصدور الترجمة العربية من «الديكاميرون»، لبوكاتشيو، عن الإيطالية مباشرة، يكون قد ظهر من سلسلة «المائة كتاب» التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة المصرية 25 عنوانًا من روائع الأدب العالمي في ترجمات جديدة، رصينة، وبذلك تكون السلسلة قد قطعت ربع المشوار في تحقيق الهدف من إنشائها.
الجديد الذي تقدمه السلسلة حتى الآن، فضلًا عن اختيار الأعمال من روائع الأدب العالمي، هو طرح ترجمة جديدة بتكليفٍ من رئيس تحرير السلسلة محددة بضوابط وشروط؛ أهمها مراعاة السمات الأسلوبية والجمالية لهذه النصوص، والحرص على نقلها بما يقارب الأصل في خصائصه اللغوية وتعبيراته الثقافية، كما ساهم في نجاح المشروع، الإخراج الفني والقطع المميز الذي تصدر به السلسلة، باتت أيقونة لها بصمتها البصرية الخاصة.
السلسلة التي يرأس تحريرها الشاعر والمترجم رفعت سلام، تسعى لتحقيق هدف محدد "تقديم أهم مائة عمل أدبي في تاريخ الثقافة العالمية". وكانت «دون كيشوت» بترجمة عبد الرحمن بدوي في جزءين هي الكتاب الأول الذي استهلت به السلسلة ظهورها إلى النور، ثم تتالت العناوين التي تخطفتها الأيدي بشغف حقيقي: «بيدرو بارامو» لخوان رولفو، «الغريب» لألبير كامو، «أشياء تتداعى» لتشينوا أتشيبي، «الصخب والعنف» لوليم فوكنر، «زوربا» لكازانتزاكيس، «قلب الظلام» لجوزيف كونراد، «1984» لجورج أورويل، وصولًا إلى رائعة توماس مان «آل بودونبروك»، و«حكايات» بورخيس، و«مذكرات مجنون» للصيني لو شون.
«العين» حاورت رئيس تحرير «المائة كتاب»..
* بعد 25 كتابًا حققت السلسلة نجاحًا غير مسبوق، كيف ترى هذا النجاح وظروفه؟
على المستوى الشخصي، أستمتع به! فهو أحد الإشارات على نجاح هذا المشروع الصغير، الذي بدأ منذ 3 أعوام في ظروف بالغة الارتباك والإرباك، وما تزال تلقي بعقباتها على رؤوسنا كل يوم، لقد كنت أقول للأصدقاء الذين اندهشوا من قبولي الإشراف على السلسلة، في ذلك الظرف العصيب: "إنني لو نجحت في إصدار 20 أو 30 كتابًا جيدًا.. وسط هذه الفوضى العارمة، ألن يكون ذلك مهمًّا؟"..
أما المستوى العام، فهو شارة على إمكانية الإنجاز، حتى في ظل هذه الظروف العشوائية الصعبة؛ لا بالنسبة لي وحدي، بل أيضًا بالنسبة للمترجمين، الذي أنجزوا أهم الأعمال في الفترة الماضية، ويستكملون المهمة معي، فيما تبقى منها، كما أنه شارة على تضليل فكرة العزوف عن القراءة، وفكرة سيادة "التفاهة" القرائية..
* معظم أعداد السلسلة نفدت فور صدورها.. ما أصداء هذا الإقبال الكبير وأثره على القائمين عليها؟
دعني أشير إلى ما هو أكثر من النفاد الفوري للطبعات: إنها عشرات الرسائل التي تصلني -مع كل عدد- تشكو من عدم العثور على الكتاب، وتطالبني بمضاعفة كمية النسخ، من قراء من مختلف المحافظات، ممن لم يستطيعوا الحصول على العدد الجديد إلى حد المطالبة بإتاحة الأعمال بصيغة "بي دي إف" على الإنترنت..
وقد علمت أن ترجمتنا لـ«حكايات» بورخيس (ترجمة عبد السلام باشا) مؤخرًا قد بيعت لدى بعض بائعي الصحف بخمسة أضعاف سعرها، فبكم كانوا سيبيعون «الديكاميرون» و«آل بودنبروك»، وكل منهما يقع في نحو ألف صفحة؟ أجزم بأن الكمية المطبوعة لو ضوعفت لما اختلف الأمر، فالطلب أضعاف أضعاف العَرض. بل هناك مطالبات كثيرة تصلني بإعادة طبع ما نفد من السلسلة، وخاصة الأعداد الأولى.
حتى في ظروفنا الحالية المضطربة والمربكة، ما تزال "الثقافة" أمرًا هامًّا لدى الكثيرين، ممن يحرصون على اقتناص الكتاب الجيد، ومتابعة توقيت صدوره باليوم والساعة، على العكس مما يدعي "الفاشلون" من الناشرين وغيرهم، فالقارئ ما تزال لديه حاسة التمييز بين الغث والثمين، ويقبل على الكتاب الذي يتحقق فيه أمران: المستوى الرفيع والسعر المناسب، وذلك ما يجده في أعمال السلسلة، وهو ما راهنتُ عليه دائمًا.
* كان تحديًا أن تقوم بانتقاء 100 عنوان تشكل الروائع المائة في الأدب العالمي.. كيف تصديت للمهمة؟
للوهلة الأولى، بعد الاستقرار على القائمة النهائية، بدا لي أن نصف هذه الأعمال المائة ليست مترجمة أصلاً إلى العربية، وغالبية ما تُرجم إلى العربية قد نفد، بصرف النظر عن مستوى الترجمة، أو ليس في متناول القارئ المصري. والكثير مما تُرجم ليس مضمونًا فيما يتعلق بمستوى الترجمة، واحتمالات الحذف منه، لهذا السبب أو ذاك.
قضيتُ نحو 6 أشهر في إعداد ومراجعة قائمة "المائة كتاب"، بناءً على معايير منضبطة بقدر الإمكان، ولهذا تأخر صدور العدد الأول من "المائة كتاب" لعام كامل من استلامي لسلسلة "آفاق عالمية"، نشرت خلاله «الإخوة الأعداء» لكازانتزاكيس، وأشعار «سان-جون بيرس»، و«رسالة في العلوم والفنون» لجان-جاك روسو، و«مختارات قصصية من أمريكا اللاتينية»، وغيرها..
* وماذا عن التعامل مع المترجمين.. بدءًا من الاختيار ثم التكليف والمتابعة وأخيرًا تسلم الترجمات؟
لقد تعاملت مع الجميع، منذ اللحظة الأولى، سواء في مصر أو خارجها، مَن كنت أعرفهم مسبقًا، أو مَن تعرفت عليهم فيما بعد، بطريقة أو أخرى. وهناك مَن نشر بالسلسلة من دون أن ألتقي به شخصيًّا، حتى الآن (نتعامل من خلال "الإيميل" والـ "فيس بوك"). والعبرة تكمن في قدرته على التوصل إلى مستوى مرتفع من "دقة" الترجمة، والمحافظة على أسلوب المؤلف الأصلي، ورغم ذلك، فقد اضطررتُ مرتين أو ثلاثًا إلى إعادة الترجمة بنفسي خلال المراجعة على الأصل، بحيث أصبحت النتيجة المنشورة لا علاقة لها بالترجمة التي وصلتني.
* ربما كان هناك ضرورة لإلقاء مزيد من الضوء على عمليات مراجعة الترجمات والتدقيق والتأكد من تحقيق الترجمة لهدف السلسلة؟
لقد دفعتني ظروف الفوضى والارتباك طوال الأعوام السابقة إلى القيام بمهام ليست منوطة بي (كرئيس للتحرير). فاكتشاف المستوى والمفاهيم المتفاوتة للترجمة دفعني إلى القيام بمراجعة كل ما يصلني من المترجمين بنفسي، على الأصل (بالنسبة للأعمال المترجمة من الإنجليزية والفرنسية، وهي الأغلبية)؛ ومراجعة ما سوى ذلك (الترجمات عن اللغات الأخرى) على ترجمة إنجليزية أو فرنسية، لأظل مسيطرًا على توحيد المفهوم والمستوى في الحد الأقصى الممكن؛ وخاصةً فيما يتعلق بالحفاظ على السمات الأسلوبية للمؤلفين.
في إحدى المرات، حين اعترضتُ على طريقة ترجمة إحدى الروايات الكبرى، أوضح لي المترجم طريقته: "إنني أقرأ الفقرة، وأعرف ما يريد الكاتب أن يقوله، ثم أكتبه بطريقتي"؛ فقلت له بحسم مهذب: "إنني أريد ما يقوله الكاتب، بطريقته هو. أما طريقتك، فلتؤجلها لأعمالك الشخصية". والتفاوتات كبيرة في المفاهيم والدقة والثقافة والتمكن من اللغة، سواء الأجنبية أو العربية.
وفي الطريق، خلال هذه المراجعة المدققة، أقوم بدور المصحح اللغوي (عند إصدار ترجمة "الإخوة الأعداء" لكازانتزاكيس، اكتشفت تدخل المصحح في الأسلوب. وحين سألت عنه، اكتشفت أنه أحد أئمة المساجد الريفية؛ فكان عليَّ تحمل المسؤولية بنفسي، لتأمين الأعمال من التدخلات السخيفة للمصححين، في اتجاه لغة "المنفلوطي").
وفي النهاية، يكون عليَّ ضبط الإخراج الداخلي، صفحةً بصفحة، وفق المقاييس الطباعية، لأقوم بتسليم العمل إلى مدير التحرير "بي دي إف"، آمنًا من العبث؛ لكن متحملاً- بصورة شخصية، أكثر من الإرهاق والاستنزاف- مسؤولية أية هفوات محتملة، في جميع هذه المراحل.
أما تصميم الأغلفة، فيتحمل مسؤوليته الصديق الفنان القدير أحمد اللباد؛ ونحن محظوظون.
* واجهت السلسلة عقبات كثيرة، أبرزها عدم الانتظام في الصدور.. كيف تغلبت على هذه المشكلات؟
فعلًا، عدم انتظام الصدور هو مشكلتنا، فالأعداد الأخيرة، منذ «إلى الفنار» لفرجينيا وولف، ثم «حكايات» بورخيس، وصولاً إلى «مذكرت مجنون» للصيني لُو شون، هي تراكمات النصف الثاني من العام الماضي، ولم نبدأ بعد في تنفيذ خطة العام الجديد (2016).
عانينا العام الماضي (2015) من التهديد بوقف السلسلة، لأسباب عديدة أبرزها التغييرات المتعددة في وزارة الثقافة، توقفت السلسلة منذ فبراير وحتى سبتمبر، بلا صدور عدد واحد، وحين عادت، كان حقنا قد أُهدر في إصدار 10 أعداد في عام 2015 (وفقًا للوائح غير مسموح لنا بتجاوز العشرة أعداد كل عام في سلسلة "شهرية"؛ ولا تسألني عن المنطق!). ضاعت علينا 3 أعداد من النصف الأول من العام (خطة نشر السلسلة نصف سنوية). وحين عادت العجلة إلى الدوران، بدأنا من خطة النصف الثاني من العام، وفقدنا - كميًّا، حسابيًّا- 3 أعداد ثمينة، فضلاً عن العددين المحذوفين أصلاً من كل سنة.
* بمعدل كم كتاب مترجم تعمل على تحضيره للنشر.. كتابان أم 3 أم أكثر بالتزامن؟
لدينا خطة نصف سنوية تبدأ في يناير ثم يوليو من كل عام، بمعدل 5 كتبٍ في الخطة، وهو ما يعني ضرورة الاتفاق دائمًا مع عدد كبير من المترجمين، لضمان أن تفي مواعيد تسليم المخطوطات بالخطة، مع الوقت اللازم للقيام بالمراجعة، وعندي - في الاحتياط السري- عدد من الأعمال الجاهزة (التي سنعيد نشرها عن طبعات سابقة موثوقة تمامًا) لسد أية ثغرة محتملة في ذلك (ولم أستخدمها بعد حتى الآن). وعادة ما يستغرق إنجاز الكتاب الواحد - منذ الاتفاق إلى تسليم المخطوط للتنفيذ- ما بين العام والعام ونصف.
والآن، على سبيل المثال، أعمل في الترجمات المقرر إصدارها في النصف الثاني من العام الحالي (جميع كتب النصف الأول جاهزة للذهاب إلى المطبعة، حينما يتم الإفراج عنها من إدارة النشر). إذن، فعليَّ الانتهاء من 5 أعمال متفاوتة في مستوى الترجمة، بين الشعر والرواية والمسرح، عملاً وراء الآخر.. إلى أن أنتهي منها جميعًا في مايو أو يونيو القادمين. وبعدها، تبدأ دورة جديدة..
ولأول مرة استخدمتُ حقي في إحالة أحدها إلى مراجع محترف، ليخفف عني العبء قليلاً.. ويبدو لي أني سأستخدم هذا الحق فيما بعد، في أعمال معينة، حسب مستوى الترجمة التي وصلتني..
aXA6IDE4LjIyMi4xNjMuMTM0IA== جزيرة ام اند امز