الخطوط البريطانية توقف تعاملها داخل مصر بالجنيه
المستحقات المتأخرة لشركات الطيران خطر جديد يداهم السياحة
وسط غضب عدد من شركات الطيران الدولية من تأخر تحويل الإيرادات بسبب نقص الدولار، الخطوط الجوية البريطانية تعلن إيقاف التعامل بالجُنيه
أخذت أزمة شُح الدولار في مصر منحى جديدًا ينذر بخطورة تداعيات تفاقم الأزمة على الاقتصاد ككُل، بعد أن أعلنت شركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش إير وايز" عصر أمس الأربعاء إيقاف التعامل بالجُنيه لشراء تذاكر الطيران، وأن العملاء عليهم شراء التذاكر بالدولار من مكاتبها في مصر أو باستخدام بطاقات الائتمان، وتعليق بيع التذاكر عبر وكلاء السياحة.
وبررت الشركة موقفها المُعلن بوجود متأخرات مالية لدى البنك المركزي قدرتها بنحو 11 مليون دولار وأنها لا تستطيع التحكم في أزمة النقد الأجنبي التي تواجه مصر في الوقت الحالي، مؤكدة اعتزامها إعادة تطبيق الممارسات المعتادة بعد انقضاء الأزمة.
هذا الموقف لم يُكن مفاجئًا لمتابعي أزمة نقص الموارد الدولارية في مصر، إذ أعلنت شركة الطيران الفرنسية الهولندية "إير فرانس – كيه إل إم" الأسبوع الماضي عن امتعاضها إزاء احتجاز إيرادات قدرتها بـ 13 مليون دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأن تأخير تحويل الإيرادات يزيد من صعوبة العمل في البلاد.
وبحسب كيس أورسم مدير عمليات مصر في "إير فرانس – كيه إل إم" فإن الشركة ليست على وشك تعليق رحلاتها الجوية ولكن الضغوط المالية تتصاعد، ولم تتلق الشركة تعليقا فوريا من البنك المركزي بعد مطالبته بالمساعدة في حل مشكلة الأموال المتأخرة.
وبحسب تصريحات نقلتها جريدة "المال" أمس الأربعاء عن جهاد الغزالي رئيس لجنة الطيران بالمجلس الاستشاري التابع لوزارة السياحة المصرية، فإن هناك أموالا متأخرة لعدد من شركات الخطوط الجوية، مثل "طيران الإمارات" التي تتراوح مستحقاتها بين 80 -90 مليون دولار.
ويوجد متأخرات بقرابة 15 -17 مليون دولار لصالح شركة الخطوط الألمانية "لوفتهانزا" ونحو 12 مليون دولار لشركة "KLM" الكندية".
وقد أكد الاتحاد المصري للغرف السياحية في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية أن الاتحاد سيعقد اجتماعًا مع البنك المركزي المصري الأسبوع المقبل لمناقشة أزمة تأخر تحويل إيرادات شركات الطيران الأجنبية وتداعياتها على نشاط السياحة، حيث تُعاني عائداته من تراجع شديد منذ حادث تحطم طائرة روسية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
من جانبه، قال على غنيم عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية لبوابة "العين" الإخبارية إن هناك مخاوف تنتاب شركات السياحة من اتخاذ شركات الطيران الدولية موقفا مماثلا لقرار شركة الخطوط الجوية البريطانية لحين سداد البنك المركزي مستحقاتها بالدولار، حيث ستكون حينها ضربة قاصمة للسياحة المصرية.
وأكد أن الاتحاد المصري للغرف السياحية سيعقد اجتماعًا مع البنك المركزي الأسبوع المقبل لمحاولة إقناعه بالتدخل الفوري وحل الأزمة سريعًا قبل أن تتفاقم لأن نشاط السياحة لا يحتمل التعرض لأزمات أخرى عنيفة بعد أن عصف حادث سقوط الطائرة الروسية بالنشاط ككُل في مصر.
ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء شريف إسماعيل هذا الأسبوع فإن إيرادات السياحة المصرية فقدت 1.3 مليار دولار منذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء، والتي على إثرها قررت موسكو تعليق تدفق السياح الروس إلى مصر.
وتعد السياحة أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، ولكنها تراجعت بشدة في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث انخفضت من 14 مليار دولار في العام 2010، إلى 6 مليارات دولار خلال العام 2015.
وقد تعرضت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي للتآكل على مدار 5 سنوات، إذ سجلت 16.445 مليار دولار بنهاية 2015 مقارنة بـ 36 مليار دولار بنهاية 2010.
وأوضح عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية أنه رغم وجود تحليلات بأنه قد يكون هناك دوافع سياسية وراء قرار شركة الخطوط الجوية البريطانية باعتبار أن المبلغ صغير لا يستدعي إيقاف التعامل بالجُنيه وكذلك أن بريطانيا كانت أولى الدول التي أعلنت تعليق رحلاتها إلى شرم الشيخ، ولكن في النهاية علينا الاعتراف بأن هناك أزمة في تأخر مستحقات الشركات وعلينا تسويتها سريعًا.
من جانبه، قال محمد ماهر الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار برايم لبوابة "العين" الإخبارية إن السبب الحقيقي في موقف شركة الخطوط الجوية البريطانية والذي تزامن مع إعلان تضرر عدد من شركات الطيران الدولية من تأخر المستحقات هو وجود توقعات قوية بتوجه البنك المركزي لخفض الجُنيه الفترة المقبلة، مما سيخفض قيمة الإيرادات المُسجلة بالجُنيه حاليًا عند تحويلها إلى دولار.
وأضاف أن الشركات الأجنبية كانت تستفيد من وجود متأخرات لديها في البنك المركزي حيث حصلت على فائدة سنوية تقدر بـ 10% عليها، ولكن الوضع الآن تغير مع تكهنات تراجع سعر صرف الجُنيه.
وكان طارق عامر محافظ البنك المركزي قد أكد خلال فبراير/شباط الماضي بأنه لا يوجد تفكير في خفض قيمة الجُنيه قبل وصول الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى ما بين 25-30 مليار دولار.
وقد حددت العقود الآجلة في أوروبا وأمريكا سعر الجُنيه خلال عام بنحو 10.25 جُنيه مقابل الدولار، وذلك في الوقت الذي يتداول فيه الدولار بالسوق الموازية بسعر 9.30 الجُنيه تقريبًا مقارنة بالسعر الرسمي المحدد بـ 7.83 جُنيه.
فيما توقع بنك الاستثمار سي آي كابيتال أن يتجه البنك المركزي هذا العام إلى خفض الجُنيه إلى ما يتراوح بين 9 – 9.5 جُنيه مقابل الدولار، وتتوقع المجموعة المالية هيرميس أن يصل الدولار إلى 9 جُنيهات، وهذا في الوقت الذي حددت فيه وزارة المالية سعر صرف الدولار في موازنة العام المالي المقبل 2016/2017 بنحو 8.25 جُنيه.
فيما توقع الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار برايم أن يحل البنك المركزي أزمة شركات الطيران سريعًا نظرًا لضآلة قيمة المستحقات، خاصةً بعد أن نجح في استيعاب عدد من الأزمات خلال الأيام القليلة الماضية مثل إعادة جنرال موتورز عمليات الإنتاج في مصر بعد تدبير احتياجاتها من العملة الأجنبية لاستيراد مدخلات الإنتاج.
من جانبها، شددت نشوى حسن خبيرة مصرفية لبوابة "العين" الإخبارية على أن أزمة نقص الدولار بات تُهدد العديد من القطاعات في مصر مثل تصنيع السيارات، وكذلك الأجهزة الإلكترونية بعد أن أعلنت شركة "LG" الكورية رهن ضخ استثمارات بقيمة 180 مليون دولار بحل أزمة الدولار.
وأشارت إلى أن هناك حلولا جذرية مثل تنشيط الصادرات وإنعاش السياحة ولكنها إجراءات تتطلب وقتا طويلا، لذا فإن الحل السريع المُتاح أمام البنك المركزي لتدبير سيولة دولارية هو الحصول على قروض ومساعدات من الخارج سواء لصالحه مباشرةً أو لصالح البنوك المصرية.
وقد أعلن البنك المركزي مؤخرًا عن توقيع اتفاقية مع البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير للحصول على تمويل بقيمة 500 مليون دولار لتمويل السلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج، فضلاً عن تدبير 900 مليون دولار من بنك التنمية الصيني.
كما قام البنك الأهلي بالحصول على 700 مليون دولار من بنك التنمية الصيني.
ومازالت مخاطر الاقتراض الخارجي للبلاد محدودة نظرًا لأن حجم الدين الخارجي لا يتجاوز 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2014 -2015.
aXA6IDE4LjExNi4yMy41OSA= جزيرة ام اند امز