في خضم التساؤلات وتشابك الأحداث في سوريا يأتي التدخل الروسي في سياق التدخلات الدولية والإقليمية لحماية المصالح الاستراتيجية
في خضم التساؤلات والتعقيدات وتشابك الأحداث وتواترها في سوريا يأتي التدخل الروسي في سياق التدخلات الدولية والإقليمية لحماية المصالح الاستراتيجية لمختلف الأطراف بعد الاختلاف الأمريكي الروسي على مصير الأسد الذي لم يتم التوصل إلى قرار نهائي بشأنه، وإخفاق التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في هزيمة الجماعات الإرهابية، ليؤكد هذا التدخل الحقائق الآتية:
أولا: حماية روسيا لمصالحها القومية بعد انهيار التوافق الروسي الأوروبي الأمريكي بقبول أوكرانيا عضو بالاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات الأوكرانية التي أطاحت برئيسها الموالي لموسكو، وشعور روسيا بأن أمنها القومي أصبح مهددا بعد أن أصبحت قوات حلف شمال الأطلسي على مرمى حجر من موسكو.
ثانيا: قيام استراتيجية التدخل الروسي على سياسة التشدد في حماية نظام الأسد، ورفض الحل السياسي، والعمل على استمرارية الصراع؛ لتعديل ميزان القوى وإضعاف النظام السوري وإيران وحزب الله، وتعزيز نفوذ روسيا في سورية لاستخدامه كورقة تفاوضية لأية محادثات حول أزمات منطقة الشرق الأوسط.
ثالثا: رغبة روسيا في استعادة دورها كدولة عظمى تقود العالم، الذي هيأت له سياسة أوباما المترددة تجاه الأزمة السورية، وخطأها التكتيكي بمنع إمداد المعارضة بالسلاح المتطور للتصدي لطائرات النظام السوري والطائرات الروسية؛ مما عقد الأزمة وأصبحت المفاوضات بين النظام والمعارضة أمرا مستبعدا جدا.
رابعاً: تعمّد روسيا عدم تحقيق أي انتصار للمعارضة السورية، مما يعني انتصار المحور السني على الهلال الشيعي، وانعكاسات ذلك على الأقليات السنية داخل روسيا وعلى الدول الإسلامية الواقعة على حدودها الشرقية مما يشكل تهديدا للأمن القومي الروسي.
وفي ظل التطورات المتسارعة والمعقدة للأحداث السياسية في سورية؛ وتفاقم الأوضاع الإنسانية وتدهورها؛ وإصرار الأسد على تدمير المعارضة بدعم جوي روسي بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية وتثبيت قواعد حكمه؛ والضغوط التي تواجهها موسكو لتتحقق (لحلفاء الشر) استراتيجيتهم بالسيطرة على مكاسب على الأرض تدعمهم في المفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا، ومشاركة (السعودية والبحرين والإمارات) في (التحالف الدولي ضد تنظيم داعش) الذي تقوده أمريكا؛ يبقى الموقف الأمريكي غامضا، وإمكانية دخولها في حرب برية داخل سوريا رهن المجهول، ليتأكد لدينا تعقد الأزمة بترحيب أمريكي مبطن ومتعمد، عبر العمل على استمرار روسيا في تحقيق أهدافها مع حلفائها الإيرانيين وحزب الله، وتمكينهم من بسط نفوذهم على كافة أنحاء سوريا، وإعطائهم قوة تفاوضية تجعل من الصعب أن يتحقق أي تقدم نحو الحل السياسي.
ومن كل ما سبق نستنتج الحقائق الآتية:
1. استمرار الأزمة السورية وتشابكها، وتعقد الوصول إلى حل لإنهائها، وجمود أزمات المنطقة العربية عند مرحلة الصراع، يصب في صالح أمريكا؛ فهي دائما ما تتردد في مواقفها المعلنة بشأن ما يطرح من أفكار لحل الأزمة السورية.
2. سعي أمريكا لخلط الأوراق من خلال مواقفها غير الواضحة من التدخل الروسي في سورية، انتظارا لحدوث متغيرات جديدة تخلق من سورية (أفغانستان جديدة) بكامل التبعات التي سيتعرض لها الاقتصاد الروسي بما يؤدي لانهياره كما حدث عند انهيار الاتحاد السوفيتي.
3. ربط أمريكا مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والخليج العربي بتحقيق مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير لتنفيذ هدفها الأكبر نحو تغيير الأنظمة العربية القائمة، الذي ما زال يشكل هاجسا مقلقا لدول مجلس التعاون بسبب استمرار الولايات المتحدة بالضغط عليها للقيام بإصلاحات ديمقراطية رغم تجاهلها لأوضاع حقوق الإنسان المتردية والانتهاكات الفظيعة التي يمارسها النظام الإيراني ضد شعبه عند التفاوض والتوصل للاتفاق النووي المبرم في (يوليو 2015م).
والآن؛ وبعد إرسال المملكة العربية السعودية طائراتها إلى قاعدة (انجرليك التركية) في فبراير الماضي لضرب تنظيم داعش الإرهابي والقضاء على الإرهاب كعنوان، وتأكيد وزير الخارجية التركي على (ضرورة وجود استراتيجية واضحة حتى تتمكن تركيا والسعودية وكافة الدول من التدخل برا للقضاء على تنظيم داعش)، هل ستشارك الولايات المتحدة في تلك الحرب؟ أم ستكون مشاركتها بالوكالة كما اعتادت عليه في عهد الرئيس أوباما؟
بقراءة المشهد السياسي وتحليل الأحداث المتلاحقة، ووفقا لمواقف أمريكية مسبقة، من المتوقع جدا أن تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن أرض المعركة الحقيقية، وسوف يستمر الرأي العام الأمريكي ضد أي تدخل مباشر على الأرض؛ وتزايد القلق في أمريكا والغرب من تزايد أعداد المسلمين في العالم وتخوفها من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة التي سيست الدين وتمارس العنف والإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة