تقف مصر الأم والدولة حائرة وسط الأبناء وكل واحد يحاول ان ينتزع من ثيابها جزءا وهى تتعجب من جنون الأبناء
تقف مصر الأم والدولة حائرة وسط الأبناء وكل واحد يحاول ان ينتزع من ثيابها جزءا وهى تتعجب من جنون الأبناء
والحالة التى اصابتهم ما بين الأنانية والجشع والتهور بل والجنون..وقفت مصر وحيدة وهى ترى اكثر من سلطة واكثر من دولة واكثر من محاولة لتقسيمها وشرذمتها . والغريب ان كل واحد يتحدث بإسمها ويتصور انه الأكثر حبا لها رغم ان الحقائق تؤكد ان هذا نوع من الحب المريض لأن تمزيق الثياب جريمة فما بالك إذا كان تقطيعا للوطن .
استطيع ان اغامر واقول نحن امام اكثر من دولة .. إذا كانت هناك دولة السلطة بما فيها من المؤسسات والمسئولين واصحاب القرار فهذه السلطة حائرة بين جهات كثيرة تتنازع حولها، والواقع ان الخطر فى هذه الصورة المظلمة انها تهدد تماسك الدولة خاصة ونحن نتحدث كثيرا عن اهداف ومؤامرات مشبوهة لإسقاط الدولة .. ان المؤامرة هنا ليست قاصرة على اطراف خارجية ولكن هناك كيانات غريبة داخل الوطن المصرى تمزق فيه ولا ادرى هل يتم ذلك عن جهل او تآمر ام فرض للوصاية .. وهنا سوف نجد بعض التكتلات التى انسلخت عن كيان الدولة وبدأت تتحدى إرادة الشعب سلطة وقرارا .
انا لا اتصور ان يقف الرئيس عبد الفتاح السيسى امام الرأى العام وحيدا يبرر القرارات ويدافع عن السياسات ويشرح الزيادة فى اسعار المياه والكهرباء والخدمات .. إذا سألت احدا عن فاتورة المياه يقول لك اسأل الرئيس السيسى وهنا نتساءل ما هى اهمية الحكومة والوزراء والمستشارين بل والبرلمان وعنده السؤال والإجابة .. هل يعقل ان نسأل رئيس الدولة عن كل قرار صدر عن مؤسسة او وزارة وماذا يفعل الوزراء إذا كان الرئيس يتصدى للدفاع عنهم امام الرأى العام، صحيح انهم اختياره ولكن فى الخطأ والصواب هم مسئولون امام الشعب اننى ارى ان الرئيس يظلم نفسه وهو يقف وحيدا امام الرأى العام خاصة ان الكثير من الهجوم على سلطة القرار لا يتسم بالأمانة والموضوعية وان بعض ما يقال يتسم بالإسفاف وعدم الشفافية ..
ان رئيس الدولة مسئول عن السياسات العامة والبرامج والسياسات الخارجية والعلاقات مع العالم اما المشروعات والخطط وما يحدث فيها من انجازات او إخفاقات فهى مسئولية اصحاب القرارات التنفيذية من الوزراء وكبار المسئولين .. ليس من الواجب ان يقف كل يوم شخص ما على منبر إعلامى ويقول السيسى فعل ولم يفعل واخطأ ولم يخطئ هذا تجاوز مرفوض واسلوب لا يليق فى النقد ولا ينبغى ان يتصدى الرئيس لكل شئ وان يتحمل وحده نتائج كل القرارات فنحن فى دولة مؤسسات وكل مسئول يتصدى للعمل العام عليه دوره ومسئولياته .. ولا يعقل ان يبقى الرئيس طوال الوقت فى موقف الدفاع .
نحن امام دولة رجال الأعمال المطنشين وكأنهم لا يسمعون احدا .. وحين يصرخ الرئيس بأن صندوق تحيا مصر تلقى4٫7 مليار جنيه منها مليار جنيه من القوات المسلحة فأين ما اعلنه رجال الأعمال من مشاركتهم، هذا قال انه دفع ثلاثة مليارات وهذا سبعة مليارات وهذا مليار هل كانت هذه جميعها اكاذيب وعلى من يكذب هؤلاء .. حين قابلت رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل تحدثت معه عن متآخرات الضرائب على رجال الأعمال وهى تبلغ 47 مليار جنيه ومثل هذا الرقم يمكن ان يغطى نفقات كثيرة فهل يعقل ان تكون دولة رجال الأعمال بهذا الغموض وهذا الطناش، إذا كانوا عاجزين عن المشاركة فليدفعوا ما عليهم من الضرائب وهى حق الشعب اين الضرائب على المصانع والأراضى والعقارات واين الدعم الذى حصلوا عليه فى المياه والكهرباء والطرق والخدمات .. واين حق الدولة فيما حققته مشروعاتهم من المكاسب والأرباح .. دولة رجال الاعمال تعمل خارج السياق تماما .
بدأت دولة البرلمان وهى احدث مؤسسات مصر بخطة غريبة لتقسيم الأعضاء وبدأت رحلتها مع التشرذم والتفكك رغم انها تدرك صعوبة اللحظة وضرورة الإلتفاف لحفظ كيان الدولة من الإنهيار .. بدأت كتلة تحيا مصر وانقسمت على نفسها وخرج منها من خرج ثم ظهرت كتلة المستقلين ثم كانت شرذمة الأحزاب ومن الأحزاب خرجت شراذم اخرى ووصل الحال بالبرلمان الوليد إلى ان تصور كل عضو فيه انه كيان مستقل عن هذا الكيان الذى يمثل الدولة والشعب .. تصورت كيانات شخصية عشوائية انها زعامات سياسية وبدأت رحلة الخروج والبحث عن ادوار ومصالح ثم كانت فرق السباب والبذاءات والشتائم ثم كان التطاول على رئيس المجلس ثم كان الطرد والحساب والمساءله ثم كانت كارثة الأحذية .. كل هذه الأشياء فى اقل من شهر واصبحنا امام برلمان يهدد الأمن القومى المصرى ويخرج على كل التقاليد البرلمانية فى حقوق الأعضاء وقد يصل الأمر امام هذا الإنفلات الى حل البرلمان إذا استمرت دولته بهذا التفكك وهذا التسيب امام طموحات شخصية مريضة .
مازالت دولة الإعلام بلا رقيب وبلا برامج وبلا خطط مدروسة .. ان دولة الإعلام المصرى فقدت طريقها وتاهت بين اموال رجال الأعمال والتمويل الخارجى المشبوه غير معروف المصادر وهى من اكثر المناطق خطرا على الدولة المصرية .. ان الإعلام المصرى يتصور انه اعلن استقلاله عن الدولة المصرية وانه كيان منفصل تماما عن إرادة الشعب المصرى وهو لذلك يفعل ما يريد ابتداء بتشويه كل الحقائق وانتهاء بتدمير البشر .. الإعلام المصرى تجاوز كل حدود العمل المهنى اخلاقيا وسلوكيا واصبحت هناك ايادى توجهه حسب مصالحها وهى فى معظم الأحيان تتعارض مع مصالح المصريين شعبا وحكومة .. ان الإعلام المصرى يتصور الأن انه قادر على إسقاط كل شئ وإعادة تشكيل الأشياء حسب رغباته وطموحات العاملين فيه ومصالح من يحركون السيرك من بعيد .
دولة النخبة .. وهذه الدولة بلا قيادة منذ ثورة يناير وحتى الأن وهى منقسمة على نفسها ما بين تيارات دينية واخرى علمانية وحائرة ما بين قضايا الحجاب والخطاب الدينى والإبداع وهى متخبطة ما بين بريق الإعلام وبريق المصالح وللأسف الشديد ان هذه الدولة لم تحقق اى انجازات منذ ثورة يناير فقد فشلت فى تجربة الأحزاب السياسية .. وفشلت فى مواجهتها مع الإخوان المسلمين وفشلت فى الحوار مع تيارات العنف السياسى والقتل باسم الإسلام .. وقبل هذا كله فشلت فى ان تكون حائط صد فيما تتعرض له مؤسسات الدولة المصرية من خطط ومؤامرات مشبوهة ..
ان الشئ المؤكد ان النخبة المصرية تعيش اسوأ حالاتها عجزا وسلبية حتى وصل بنا الأمر الى ما نحن فيه .. على مستوى لغة الحوار لا شئ يقال فقد وصلنا الى مرحلة غاية فى السوء .. وعلى مستوى القضايا يكفى اننا غارقون فى قضية الحجاب اكثر من ربع قرن من الزمان .. وعلى مستوى ما يطلقون عليه الإبداع فقد اغرقنا مستنقع من الإسفاف والإنحطاط لم يحدث من قبل ويكفى ان تسمع العالم العربى وهو يتحدث عن قضايا الثقافة المصرية وهو يشاهد كل ليلة معارك النخبة على الشاشات ويقارن بينها وبين عهود مضت كان العقل المصرى تاج هذه الأمة وضميرها الحى .. لقد فشلت هذه النخبة فى تبنى قضايا المجتمع الحقيقية واكتفت بالفضائيات وفشلت فى تقديم ابداع حقيقى واكتفت بالتفاهات .. وفشلت فى إجراء حوار خلاق واكتفت بالبذاءات ولهذا لم يكن غريبا ان ينصرف العالم عنها .
بقيت امامى دولة الشباب وقد أخذت مكانا قصيا بعد ان شعرت انها خارج المكان والزمان وانها لا تمثل اى ضرورة فى هذا المجتمع .. ان دولة الشباب حائرة وسط ضباب كثيف ما بين صراعات على المصالح وصراعات على الأفكار المريضة وكتائب الشباب غير مؤهلة للدخول فى لعبة الصراعات بين القوى الأخرى لأنها ممنوعة سياسيا ومحرومة اقتصاديا وملفوظة اجتماعيا وهى فريق من الناس لم يجد حتى الأن شيئا من الرحمة لدى اصحاب المصالح فى هذا الوطن ..
ان دولة الشباب هى الأكثر عددا ولكن من أين لها التأثير والإعلام يشوه صورتها .. والواقع بكل تفاصيله يرفضها وقبل هذا كله هى مدانة بلعنة 25 يناير التى تطاردها فى كل مكان من ابواق كثيرة استعادت دورها واستردت قوتها وجاءت لتصفية حساباتها .
هناك دولة هى الأحق والأجدر بكل الرعاية والإهتمام وهى دولة الفقراء وللأسف الشديد انها تمثل الأغلبية الساحقة من المصريين .. انهم سكان العشوائيات الذين يبحثون عن مأوى وهم ملايين الأبناء الذين يدورون فى الشوارع بلا عمل وهم مرضى الفشل الكلوى وضحايا المخدرات والأمية والبطالة وكل يوم يلعنون كل الأزمنة السابقة التى استباحت اعمارهم ودمرت مستقبلهم بتعليم فاسد وصحة مريضة وافكار مشوهة .. ان هذا العدد المخيف من فقراء مصر مازالوا يحلمون وهم يسمعون رئيسهم وهو يتحدث عن مشروعات لإعادة بناء دولة خربها الفساد وضيعتها صراعات المصالح .
لا حل امامنا غير توحيد هذه الدويلات المتشرذمة فى كيان وبناء واحد.. ان المطلوب من الحكومة ان تعمل وتشارك الشعب فى كل قراراتها بالسلب والإيجاب.. ومطلوب من البرلمان ان يكون على قلب رجل واحد فى الدفاع عن وطن يعيش لحظة فارقة ويواجه سيلا من المؤامرات والدسائس .. ومطلوب من رجال الأعمال ان يدركوا انهم ليسوا بعيدين عن الطوفان حتى ولو كانوا فى ابراج مشيدة لأن القصور لا تحمى من الأعاصير .. ومطلوب من الإعلام ان يسترد ضميره وان يستعيد اخلاقياته المهنية والإنسانية والوطنية وان يغلب مصالح الوطن على لغة المصالح.. ومطلوب من دولة الشباب الا تيأس وان تستعيد قدرتها على المشاركة لأنهم اصحاب المستقبل.. اما دولة النخبة فليتها تعود الى ثوابتها القديمة يوم ان كانت تاجا على رأس هذا الوطن ابداعا وايمانا وعطاء ومصداقية مطلوب من النخبة ان تطهر نفسها من لغة الحوار التى شوهت تاريخ واخلاق شعب وان تشجع كل ابداع خلاق وترفض كل ما يسئ لهذا الشعب قولا وفعلا وان تفتح ابواب عقولها لرياح نقية بعيدا عن التصنيفات واساليب الإرتزاق والمصالح .. اما فقراء مصر فهم انبل ما فيها فقد صبروا رغم الحاجة واخلصوا رغم الإساءة .. وبقيت حشودهم على وفائها لهذا الوطن فعاشوا لمصر وكانوا على العهد اوفياء .
..ويبقى الشعر
يَقـُولـُونَ : سافرْ .. وَجَرِّبْ وَحَاولْ
ففوقَ الرُّءوس .. تـَدُورُ المعَاولْ
وَفي الأفـْق غـَيْمٌ ..صُراخٌ .. عَويلْ
وفِي الأرْض بُرْكانُ سُخْط طويلْ
وفوقَ الزُّهُور يَمُوتُ الجَمَالْ ..
وتـَحْتَ السُّفوح .. تئنُّ الجـِبَالْ
وَيخـْبُو مَعَ القهْر عَزْمُ الرِّجَالْ
ومَا زلتَ تحملُ سيفـًا عتيقـًا ..
تصَارعُ بالحُلم ..جيشَ الضَّلالْ
يَـقـُوُلونَ : سَافرْ ..فمهْما عَشِقـْتَ
نهاية ُ عشقِكَ حُزنٌ ثقِيلْ
ستغـْدُو عَليْها زمَانـًا مُشَاعـًا
فـَحُلمُكَ بالصُّبح وهْمٌ جَميلْ
فكلُّ السَّواقِي التي أطرَبَتـْكَ تـَلاشي غنـَاهَا
وكلُّ الأمَانِي التي أرَّقتـْكَ ..نسيتَ ضياهَا
ووجْهُ الحَياةِ القديمُ البريءْ
تكسَّر مِنـْك ..مَضَي .. لن يجيءْ
يَقـُولـُونَ : سَافِرْ ..
فـَمَهْمَا تـَمادَي بكَ العُمْرُ فيهَا
وَحَلــَّـقتَ بالنـَاس بَيْنَ الأملْ
سَتـُصْبُح يَومًا نـَشِيدًا قـَدِيمًا
وَيطـْويكَ بالصَّمْتِ كهْفُ الأجَلْ
زَمانـُكَ ولـَّي وأصْبَحْتَ ضيْفـًا
وَلـَنْ ينجبَ الزَّيفُ ..إلا الدَّجَلْ ..
يقولونَ سافرْ .. ولا يَعلمونْ
بأنيِّ أموتُ ... وهُمْ يضحكوُنُ
فمازلتُ أسمَعُ عنـْك الحكايَا
ومَا أسْوأ الموْت بَيْنَ الظنونْ
وَيُخفيك عني ليلٌ طويلٌ
أخبّئ وَجْهَك بينَ العُيونْ
وتـُعطينَ قلبَك للعَابثينَ
ويشْقـَي بصدِّك منْ يُخلصُونْ
وَيُقصيك عنِّي زمانٌ لقيط
ويهنأ بالوصْل ..منْ يخدعُوْن
و أنثر عُمْري ذرَّاتِ ضَوْءٍ
وأسْكـُب دَمي .. وَهمْ يسْكرُونْ
وأحْملُ عَينيكِ في كلِّ أرْض ٍ
وأغرسُ حلـْمي ..وهَمْ يَسْرقونْ
تساوتْ لدْيكِ دُماء الشـَّهيدِ
وعطرُ الغواني وكأسُ المجُون
ثلاثونَ عامًا وسبْع عجاف
يبيعُونَ فيكِ .. ولا يَخجلونْ
فلا تتـْركي الفجْر للسَّارقينَ
فعارُ علي النيل مَا يَفعلونْ
لأنكَ مَهْمَا تناءَيتِ عَنـِّي
وَهَانَ علي القلبِ ما لا يهُونْ
و أصْبَحْتُ فيكِ المغنـِّي القديمَ
أطوفُ بلحْنِي .. وَلا يَسمعُونْ
أموتُ عليك شهيدًا بعشْقي
و إنْ كانَ عشقي بعْض الجنـُونْ
فكلُّ البلادِ التي أسكرتني
أراهَا بقلـْبي .. تراتيلَ نيلْ
وكلُّ الجمَال الذي زارَ عيْني
و أرقَ عُمْري ..ظلالُ النـَّخيلْ
وَكلُّ الأماني الـَّتي رَاوَدَتـْني
و أدمتْ معَ اليأس.. قلبي العليلْ
رأيُتك فيها شبَابًا حزينـًا
تسابَيح شوْق ٍ.. لعمر ٍجميلْ
يقولـُون سَافرْ ..
أمُوت عليْكِ .. وقبلَ الرَّحيل
سأكتبُ سطرًا وحيدًا بدَمي
أحبكِ أنتِ ..
زمانـًا منَ الحُلم .. والمسْتحيـلْ
قصيدة «انشودة المغنى القديم» سنة 1990
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة