تمتد جهود التجديد الإسلامي الحديثة تاريخياً إلى التجديد الديني في القرن قبل الماضي، بل وتمتد عند البعض إلى القرن الثامن الهجري
تمتد جهود التجديد الإسلامي الحديثة تاريخياً إلى التجديد الديني في القرن قبل الماضي، بل وتمتد عند البعض إلى القرن الثامن الهجري إلى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحتى محمد بن عبدالوهاب في القرن الحادي عشر. وتصل إلى مدرسة الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي وعبد القادر الجزائري وعبد الحميد بني باديس والبشير الإبراهيمي. وقد تحول البعض منها إلى حركات اجتماعية وسياسية مثل المهدية، والسنوسة، وجمعية العلماء المسلمين بالجزائر. نجح البعض في دول إسلامية مثل دعوة محمد بن عبدالوهاب، بينما لم يتمكن البعض الآخر المساعدة على تأسيس مماثل على رغم أثره البالغ على الحركات الوطنية التي انتسبت إليه مثل المهدية. وانقطع فريق ثالث عن التواصل وظل رائداً في مرحلة الرواد مثل الكواكبي.
ومنذ هزيمة العرب في يونيو 1967، بدأت مظاهر العودة إلى الدين تأخذ شكلًا متنامياً في حياة الناس وممارستهم اليومية. وكانت الدعوة إلى الإسلام قائمة باستمرار على مختلف العصور وفي أعماق الشعور، وقد ظهرت مجدداً إلى السطح الدعوة لتوسيع حضور الدين في الفضاء العام بعد الهزيمة كمؤشر فعلي على صحة هذه الدعوة وعلى توقيتها. وقد ظهر ذلك على جميع المستويات: القيادة السياسية والمؤسسات الدينية الرسمية، والثقافة الشعبية. في صورتين: أن البعد عن الله هو السبب الأول في الهزيمة، وأن العودة إلى الإيمان هي الطريق إلى النصر.
وقد استرعت ظاهرة محاولات توسيع دور وحضور الدين في المجال العام الانتباه منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وتحدث البعض في العالم الغربي عن صحوة الدين، ويقظة الدين، وما سمي حينها الإحياء الإسلامي، وصولاً إلى ظهور الجماعات الدينية المتشددة المسماة بالأصولية الإسلامية. وصاحب ذلك -خاصة في مصر- ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة كظاهرة مثيرة للقلق في حرم الجامعات.
وتبدو مظاهر توسع حضور الأمور الدينية حالياً في عده مؤشرات مرئية حسية قد يكون بعضها عادياً بالفعل، وقد لا يكون بعض آخر أيضاً مثل:
كثرة الجمعيات الدينية ونشاطها في معظم أنحاء العالم الإسلامي وعلى اختلاف مسمياتها. ونظراً لقدرتها على التنظيم، وفي مواجهة منظمات سياسية بيروقراطية حكومية، فإنها قد تبدو أحياناً نشطة وحاضرة في الشارع وبين الجماهير.
الشعائرية مثل الزي وخاصة الحجاب والنقاب، وفصل الطلبة عن الطالبات، وعدم السلام بالأيدي بين الرجال والنساء.. الخ.
كثرة بناء المساجد، والأذان بمكبرات الصوت، وإقامة الصلوات داخل الكليات، وتخصيص أماكن للصلاة للطلبة والطالبات، وإيقاف الأعمال الجارية أثناء أداء الفرائض، وتحول المساجد إلى دور للمناسبات وعيادات طبية، ومدارس للتعليم، وفصول للتقوية.
نشر كتب التراث، ورواج الكتب الدينية، وكثرة المعارض الإسلامية.
انتشار المجلات الدينية، وتأسيس الجرائد الدينية الملحقة بالجرائد الأسبوعية، وتخصيص صفحات للفكر الديني.
كثرة القنوات الدينية والبرامج الدينية في أجهزة الإعلام مثل: العلم والإيمان. المصحف المفسر، هدى النور، والإعلان عن الصلوات أثناء البرامج المعتادة، والتواشيح الدينية.
المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتكوين اللجان البرلمانية لهذا الغرض، والمعركة حول قانون الأحوال الشخصية، والصراع بين الرؤى الدينية والعلمانية... الخ.
ظهور الطائفية واشتدادها إلى درجة الحرب الأهلية في لبنان، والتوتر الطائفي في صعيد مصر، وازدواجية الولاء الديني والوطني في كثير من أنحاء الوطن العربي في سوريا والعراق مثلاً.
الغزل بين القومية والإسلام، ومحاولة أنصار التيار القومي أخذ الإسلام في الاعتبار كثقافة وحضارة وهوية قومية، فالإسلام عروبي أُنزل للعرب وبلغة العرب ولتوحيد العرب.
كثرة المؤتمرات والأبحاث حول الهوية والتغريب، الأصالة والمعاصرة، والتراث والتجديد، حيث يبرز الدين كعنصر رئيسي في الأشكال.
ظهور التزمت الديني الفكري في إعادة تحريم «الفتوحات المكية» لابن عربي وإعادة تكفير طه حسين «في الشعر الجاهلي»، ومصادرة كل كتاب فيه فكر ديني مستنير، وتحريم كل مجلة بها نقد للأوضاع القائمة.
توسع بعض المؤسسات المالية الإسلامية والانفتاح الاقتصادي على الغرب، وشركات توظيف الأموال، فالتزمت الفكري يقابله انفتاح اقتصادي، وكأن الأول غطاء الثاني وتشريع له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة