تطرح هذه الورقة سؤالا مهما هو كيفية التعاطى مع العائدين من بؤر الصراعات، والورقة للعميد المختار بن نصر
والآن تطرح هذه الورقة سؤالا مهما ومحيرا هو كيفية التعاطى مع العائدين من بؤر الصراعات، والورقة للعميد المختار بن نصر الذى يعمل بالمركز التونسى لدراسات الأمن الشامل.
ولعل تونس تستحق التقدير بسابقة تشكيل مراكز خاصة متعددة ومتخصصة فى مواجهة الإرهاب المتأسلم. والدراسة تشير إلى نشاط يتصدى لظاهرة التطرف والعنف ومكافحتها. ثم تهتم بكيفية التعامل مع العائدين من هذه الرحلة المتأسلمة وبعد ما تلطخت نفوسهم وعقولهم بسموم التأسلم وغوغائية الفكر الإرهابي. وتقول الورقة « إن هؤلاء الافراد الذين عاشوا وتعايشوا مع عناصر إرهابية أو شاركوا فى الفعل الإرهابى المتوحش سواء انخرطوا فى هذا العمل برضاء أو بالإكراه، لابد أنهم قد عاشوا تجارب قاسية أثرت بعمق فى نفسياتهم وتفكيرهم وحياتهم، ولذلك يتحتم القيام بعمل استباقى للإحاطة بذلك العنف من العائدين وعدم الاستهانة بالخطر الكامن وراء جعلهم يتغلغلون داخل المجتمع دون تأهيل أو مراقبة أو علاج للاوضاع التى دفعتهم للتطرف» وقبل أن نمضى فى مطالعة هذه الورقة المهمة أتوقف لأقرر أننى وفجأة بينما أدون هذه الاسطر خطرت فى بالى ذات حالات الادمان على المخدرات التى تسيطر على إنسان ويريد أو يضطر إلى محاولة الشفاء منها بعلاج قد يشفيه تماما أو يشفيه مؤقتا ليرتد مدمنا مرة أخرى وبصورة أشد من وضعه الأول.
ونعود إلى الورقة التى تؤكد لنا أن دراستهم لهذه الحالة شملت الاعتماد على خبرات نظرية وعملية فى إحدى عشرة دولة أوروبية وخمس دول عربية فى تعاطيها مع هذه الظواهر. ولعل هذا بذاته يكشف لنا عن مدى خطورة هذه الأوضاع ومدى تغلغل الخطر المتأسلم وانتشاره عالميا وتقول الورقة «ان هناك اجماعا بين هذه الدول جميعا على صعوبة الادراك أو التواصل لفهم مشترك لهذه الحالات موضع الدراسة سواء بالنسبة لسبب مغادرتهم أو سبب عودتهم». كما أن جميع هذه الدول لم تبدأ باتخاذ اجراءات فحص لحالات هؤلاء العائدين قبل احالتهم مباشرة إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات الزجرية (العقابية) فى حقهم، وتتم محاولات التأهيل عادة فى السجن وتتواصل عند مغادرته له. وحتى محاولات التأهيل هذه فى مراكز متخصصة ومخصصة لهذا الهدف فإنها لا يلحق بها إلا الذين انهوا مدة عقوبتهم أو الذين تم منعهم من السفر لأماكن سيطرة الإرهابيين. ومن هذه البلدان تونس التى اصدرت قرارات ادارية بمنع السفر نهائيا إلى هذه الاماكن. وتتواصل الاجراءات إلى سحب جواز السفر وايضا المراقبة الامنية لمنع هذا الفرد من ارتكاب أى عمل يشكل خطرا أو تهديدا للأمن، وايضا وبعد ذلك القيام بمراجعات دينية وفكرية وتأهيل نفسى يهدف لاعادة ادماج هذا الشخص فى المجتمع ومنعه من الارتداد إلى ذات المسار» وتقول الورقة «إن اجراءات التعامل مع هؤلاء الاشخاص تتفاوت فى مواقفها فبعض الدول لا تعتبر التخطيط للسفر أو نية السفر إلى هذه المناطق جريمة، وانما تكون الجريمة لمجرد نية الالتحاق بمجموعة ارهابية أو التخطيط لعمل إرهابى أو التهديد به. وهناك دول لا تعتبر العائد مجرما إلا إذا ثبت تورطه فى اعمال اجرامية، وهناك دول تعتبر أن مجرد مشاركة العائد فى تدريبات قتالية بغية المشاركة فى القتال يخضعه للمحاكمة باعتباره ارتكب مشاركة غير نشيطة فى العمل الإرهابى ويشكل خطرا محتملا. كما تستند بعض البلدان لقوانين حماية الطفولة كسبيل لمتابعة العائدين قضائيا» ثم تنتقل الورقة إلى دراسة مهمة لما اسمته سمات التطرف. وتقول إن هناك سمات مشتركة ومسارا مشتركا يقطعه الشبان فى مراحل استقطابهم يمكن تلخيصها فى عدة ملامح مشتركة وهي: يكون للفرد تهيؤ نفسى وفهم معين للحياة والدين ولعلاقة الإنسان بالكون وعلاقته بالآخر مما يسهل استقطابه والتأثير عليه مقابل بعض الحوافز، ولا يعتبر التطرف مسارا آليا لهؤلاء المنتمين للجماعات الإرهابية وإنما يجب النظر إلى سلوك الفرد داخل المجموعة وقدراته وحالته النفسية ومدى تفاعله مع عناصرها، كذلك لا يمكن أن يكون القرب من القيادة المتطرفة أو تتبع الإنترنت أو حتى معاناة تجارب سجنية أو التبعية لشيخ معين سببا فى انتاج شخص متطرف بالضرورة. «ولكن يمكن اعتبار الشخص المتطرف هو الضائع المنفصل عن حقائق العالم وعن الواقع ومن ثم يقع تحت تأثيرات واضطرابات سلوكية وعقلية. كما أن ممارسة الأعمال الوحشية والقتل الجماعى توضح بذاتها مدى تعصبه لرأيه ومدى اعتقاده الراسخ بأن هذا الخطأ الإجرامى هو الصواب».
وتمضى الورقة فى تحليلها لتقول «وقد اتفق عدد من الخبراء، أن هناك بالضرورة خللا نفسيا ما، مرضيا بالأساس يدفع بهؤلاء المتطرفين الموغلين فى العنف والجريمة إلى الانقياد والانصياع لرغبات جامحة لا يستطيع مقاومتها فى القتل واشاعة الرعب كمدخل لبلوغ الاهداف. وإن كانت هناك دراسات علمية حديثة أجريت على عناصر «جهادية» توضح أن الشخصيات الارهابية وسماتها المشتركة عادية. ولهذا يعتمد الخبراء فى ايامنا الحاضرة على طرحين فى التعامل مع الظواهر الارهابية حيث تعتبر نظرية الاحباط ونظرية العدو من أهم النظريات التى تشرح السلوك والاندفاع نحو التطرف الإرهابي. ومن خلال نظرية الاحباط كما يقول «تادكير» تأتى عبر تغير الظروف المادية والزيادة أو النقص فى القيمة الاعتبارية للذات فيؤدى ذلك إلى تغير فى المواقف الشخصية واحساس متنام بالاحباط يدفع الشخص إلى تبنى مواقف سياسية منها عدم الرضا والرفض ومع تنامى ذلك يندفع الإنسان للعنف المادى. ويضيف الخبير «شارل تلي» إلى ذلك طبيعة النظام السياسى وقدرة الدولة على القمع.
بينما يرى «جيل كيبل» أن هذه العوامل كلها غير كافية لاتجاه الإنسان نحو الإرهاب بل إن الشخص يجب أن يكون مهيأ ذاتيا للاتجاه نحو التطرف ورفض ما هو قائم وانه لفهم ظاهرة التطرف ووجودها لابد من دراسة الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية ومدى ترابط أو انفصال الافراد مع مناخ الحياة داخل المجتمع.
لكن الباحث يحذرنا من أن الاكتفاء بالاحكام القضائية يعقد المشكلة أكثر مما يحلها فهى قد تكسب المتهم تعاطفا جماهيريا وقد يتحول فى السجن إلى قنبلة موقوتة باستمالة عدد من السجناء العاديين إلى مسار الإرهاب. ونواصل مع هذا البحث المهم شاكرين لمكتبة الاسكندرية مجهودها فى منحنا هذه الدراسة المهمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة