«روز اليوسف».. أسطورة غيّرت الصحافة والمسرح في العالم العربي
"العين" تقابل محمد كامل القليوبي مخرج الفيلم التوثيقي النادر عنها
ترسّخت أسطورة روز اليوسف بعد أن أصبحت صاحبة مجلة ودار صحفية كبرى عمل فيها وتخرج منها أعظم الكتاب الصحفيين المصريين
يبدو الاحتفال بيوم المرأة العالمي مناسبة ملائمة لتجاوز الاحتفاءات الشكلية وتبادل كلمات المعايدة إلى تأمل وضعية المرأة واستعادة نماذج نضالها الإنساني للتحرر ومواجهة التسلط ومقاومة كل دواعي التخلف والانحطاط باسم أي فكرة أو أيديولوجيا أو موروث لتمارس دورها كتفا بكتف مع الرجل دونما تمييز أو تراتب أو قمع.
يبزغ اسم أسطورة الفن والصحافة المصرية فاطمة اليوسف الشهيرة "بروز اليوسف" كأحد النماذج المذهلة في كفاح المرأة المصرية والعربية ضد مواضعات وأعراف كانت كفيلة ليس بسجنها وقمعها فقط بل بمحوها رأسا من الوجود. فتاة صغيرة تجد نفسها تعيش في كنف أسرة لبنانية مسيحية وهي طفلة مسلمة في العاشرة من عمرها، وتكتشف أن أباها قد هاجر وتركها مع هذه الأسرة، وعندما تقرر الأسرة أن تسافر روز -كما كانوا يدللونها- مع أحد أصدقاء الأسرة إلى أمريكا اللاتينية وكانت لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها، وأثناء رسو سفينتها في الإسكندرية تهرب من مرافقها وتقرر البقاء في مصر.
تعمل روز اليوسف في الفرق الفنية في الإسكندرية وتذيع شهرتها، تتألق نجوميتها في سماء الفن في الإسكندرية، ثم تصبح نجمة فرقة رمسيس، وتلقب بسارة برنار الشرق، تتزوج من المهندس والممثل محمد عبد القدوس الذي تقف أسرته أمامه رافضة هذا الزواج، وتنجب روز منه ابنها إحسان (إحسان عبد القدوس، الصحفي والكاتب الروائي الشهير).
تعتزل روز اليوسف الفن، وتقرر اقتحام عالم الصحافة فتؤسس مجلة روز اليوسف وتبدأ مرحلة جديدة ومهمة في حياتها الثرية، تتحول مجلة روز اليوسف من مجلة فنية إلى مجلة سياسية، تصبح روز اليوسف رائدة كبيرة وعظيمة في عالم الصحافة، وبعد ذلك تصدر جريدة يومية باسم روز اليوسف تدخل في غمار معارك سياسية عنيفة تعرضها للكثير المشكلات على مختلف الأصعدة.
ترسخت أسطورة روز اليوسف بعد أن أصبحت صاحبة مجلة ودار صحفية كبرى عمل فيها وتخرج منها أعظم الكتاب الصحفيين المصريين، من الجيل الأول والأجيال التالية، مثل محمد التابعي، عباس العقاد، إبراهيم المازني، كما ظهر في مدرسة رزو اليوسف أسماء إحسان عبد القدوس، أحمد بهاء الدين، فتحي غانم، صلاح جاهين، كامل زهيري، لويس جريس، آمال طليمات، وعشرات غيرهم من أعلام الصحافة المصرية عبر تاريخها الطويل.
ورغم أن هذه السيرة العريضة الثرية لرائدة فذة من رائدات النساء في مصر والعالم العربي، كانت مغرية للكثيرين أن يكتبوا عنها ويسجلوها في كتب ودراسات؛ فإن السينما الروائية والتسجيلية كانت غائبة تماما عن روز اليوسف، حتى ظهر للنور في عام 1999 أول فيلم تسجيلي عن روز اليوسف، وكان من المدهش أن يقوم بكتابته وإخراجه السينمائي القدير محمد كامل القليوبي.
الفيلم مدته 56 دقيقة، من إنتاج عام 1999 ويحكي قصة روز اليوسف من خلال عيون من حالفهم الحظ وعرفوها وعملوا معها. منعت روز اليوسف، خلال حياتها، من أي عمل يخص سيرتها الذاتية. وقد تكرمت أسرتها ورفعت هذا الحظر من أجل هذا الفيلم الذي يُعد أول تقييم سينمائي لهذه الشخصية الأسطورية؛ المرأة التي جاءت من بعيد، واتخذت موقع المركز في الحياة الثقافية والفنية والسياسية بمصر.
عقب عرض الفيلم، لاقى أصداء واسعة وقوبل بترحاب كبير، وطالب سينمائيون وصحفيون القليوبي بصنع جزء ثان من الفيلم الذي اعتبروه "مهما"، خصوصا أن المادة التي أعدها الدكتور القليوبي تمتد إلى عشر ساعات كاملة عن روز اليوسف، اضطر إلى اختصارها إلى العُشر.
المخرج محمد كامل القليوبي، كشف في حديث خاص لـ "العين" كواليس الفيلم والإعداد له وجمع مادته وأصداء عرضه، يقول القليوبي "طلبت مني الصديقة المنتجة والمخرجة ماريان خوري أن أشترك معها ومع مجموعة من المخرجين في سلسلة (نساء رائدات) واخترت أن أصنع فيلما عن روز اليوسف. وأعترف بأنه كان نوعا من الاختيار الكسول، فلقد تصورت أني سأتحدث في فيلمي عن المسرح المصري في مطلع القرن الماضي ثم عن الصحافة المصرية منذ عشرينياته وحتى ستينياته.. وكان الله بالسر عليم".
يوضح القليوبي "مع بدء العمل طلبت من تلميذتي ومساعدتي ثناء هاشم أن تقوم بجمع المادة العلمية وتم التعاقد بينها وبين شركة مصر العالمية، وقامت ثناء بجمع مادة ضخمة وكمية كبيرة من الصور والوثائق المتعلقة بروز اليوسف بالإضافة إلى 16 ساعة من التسجيلات الصوتية لعدد من الشخصيات التي عاصرتها والتقت بها وعملت معها".
يستطرد "وجدتني وقد بدأت الغوص في منطقة من الرمال الناعمة، أكتشف أن المهمة التي تواجهني أكثر صعوبة مما قدرت بكثير. كان أول ما اكتشفته أننا لا نعرف شيئا عن روز اليوسف، وأن قصتها الحقيقية ترتفع بها إلى مصاف الحكايات الأسطورية، ومن هنا اكتسب الفيلم عنوانه. فتاة صغيرة تتسلل هاربة من سفينة ترحل بها من موطنها الأصلي لبنان إلى أمريكا اللاتينية، وتنزل إلى مدينة مجهولة يتضح لها في ما بعد أنها عروس المتوسط الإسكندرية، فتغير من المسرح والصحافة في مصر والعالم العربي بأكمله".
يتابع القليوبي "اقتضى الفيلم أن نعمل بصورة متواصلة ودونما انقطاع للتصوير في طرابلس بلبنان، وبمدينتي القاهرة والإسكندرية، والعودة من جديد للبحث عن أماكن مجهولة من بينها أول مقر لرزو اليوسف".
القليوبي اختتم ذكرياته عن "أسطورة رزو اليوسف": "أقدمت على موضوع تصورت أنني أعرف كل تفاصيله، فاكتشفت أنني لا أعرف شيئا، اعتبر البعض أن هذا الفيلم يدخل في مجال الاكتشافات؛ فقد كانت المعلومات التي يقدمها تبدو جديدة تماما.. أما ما اكتشفته أنا شخصيا فهو أنه لا يوجد اختيار كسول في السينما، إذ إنه بمجرد دوران الكاميرا تنفجر الحقائق في وجوهنا وتكتسب المرئيات أشكالا جديدة وتُقرأ الصور بأشكال متنوعة عبر الزمن حتى لو حاول من قام بتصويرها إخفاء ذلك. لا أحد يستطيع عمل الأفلام وهو يخفي ذاته؛ لذلك تصنع الأفلام ولذلك أيضا تحيا السينما".
aXA6IDE4LjE4OC4xMDEuMjUxIA== جزيرة ام اند امز