بدء عمل حكومة ليبيا الجديدة.. ما بين ترحيب شعبي وجدل قانوني
إعلان المجلس الرئاسي الليبي بدء عمل حكومة الوفاق الوطني استنادًا إلى بيان تأييد لها وقعته غالبية نواب البرلمان، يثير جدلًا قانونيًّا
أثار إعلان المجلس الرئاسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة بدء عمل حكومة الوفاق الوطني استنادًا إلى بيان تأييد لها وقعته غالبية نواب البرلمان، بعدما عجزت عن نيل الثقة تحت قبة المجلس النيابي، جدلًا في الوسط الليبي ما بين ترحيب شعبي من جهة وتحفظ قانوني من جهة أخرى، وبينهما يأتي الدعم الدولي.
المحلل السياسي الليبي، إبراهيم العلاقي، قال رأي من وجهة نظره، إنه "طالما لم تتحصل هذه الحكومة على الثقة من تحت قبة البرلمان فلا، أعتقد بأنها ستكون قادرة على ممارسة مهامها وإقناع المؤسسات السيادية في البلد على التعاون معها".
وأضاف في حديث لبوابة العين الإخبارية: "أما اعتمادها على قائمة موقعة من بعض البرلمانيين لأجل الحصول على الثقة، أو الاعتماد على هذه الموافقة لأجل الحصول على الضوء الأخضر للعمل داخل العاصمة طرابلس، فهذا يُعتبر خرق قانوني حقيقي لأهم بنود الاتفاق السياسي المُبرم في الصخيرات، والذي ينص على أن تتحصل هذه الحكومة على الثقة من البرلمان وبالآلية القانونية المعروفة".
وحذر العلاقي من أنه في حال اعتمدت هذه الحكومة على قائمة موقعة من مجموعة برلمانيين في الحصول على الثقة، فإنها ستفتح سنة عمل سياسي يمكن أن تتكرر مستقبلاً وتكون سابقة سياسية غير معهودة ضمن آليات انتقال السلطة، وهذا في حد ذاته يعكس فوضى سياسية.
وأردف العلاقي أن هذه الحكومة تشعر بأنها قوية من خلال حصولها على الدعم الغربي والأمم المتحدة، ولكن واقع الحال في الداخل والذي يعكس حجم الانقسامات السياسية لا يعطي أي بارقة أمل في أن تتحصل هذه الحكومة على أي فرصة لممارسة مهامها.
من جانبه، تحدث الصحفي الليبي، عماد العلام، عن إعلان المجلس الرئاسي وما تلاه من بيان للحكومة الجديدة تدعو فيه كافة مؤسسات الدولة للعمل معها، معزيًا توقيته إلى الضغوطات الدولية والإقليمية.
وأضاف في حديث لبوابة العين "أن الوقت ليس في صالح المجلس الرئاسي خاصة في ظل الوضع الراهن، والمجتمع الدولي يراهن على هذه الحكومة التوافقية لانتشال البلاد من حالة التشظي والتشرذم والانقسام".
وتوقع العلام ألا تستجيب مؤسسات الدولة في الداخل لهذه الدعوة الواردة في بيان المجلس الرئاسي "لأن كل طرف يتمترس وراء هذه المؤسسات لن يوافق على التسليم لحكومة لم تنل الثقة بعد من البرلمان بشكل رسمي ومُعلن، خاصة المؤسسات السيادية في العاصمة طرابلس".
واعتبر أن "عدم قدرة هذه الحكومة على الحصول على الثقة من مجلس النواب يمثل نقطة ضعف فيها و يحرمها من ثقة الشعب، وسيبقى ذلك ثغرة قانونية في حال تمكنت بطريقة أو أخرى من دخول البلاد".
جدل قانوني
وفي ظل ما برز من جدل حول قانونية استناد الحكومة التوافقية على قائمة موقعة من أعضاء من البرلمان، قال الوزير السابق والأكاديمي القانوني، محمد الحراري، إنه يرى ومن الناحية القانونية أن هذا غير متوافق بتاتًا مع القانون الذي يُلزم هذه الحكومة بالحصول على الاعتماد والثقة من البرلمان وبشكل توافقي ووفق آلية قانونية واضحة الملامح".
وأضاف في حديث لبوابة العين أنه على الرغم من إمكانية تجاوز بعض البنود القانونية في ظروف استثنائية، إلا أنه وبهذا الشكل لا يمكن الاعتماد على ما استند إليه المجلس الرئاسي في إصداره لهذا البيان.
ورأى الحراري أن "هذه الحكومة من الأساس تعاني من مشاكل وضعف حيث أنه حتى هذه اللحظة لم تجتمع بكامل أعضائها وأن المجلس الرئاسي هو الذي يجتمع".
كما أضاف متسائلاً عن قدرة دخول الحكومة إلى طرابلس من عدمه واستغرابه من طلبها الموجه للمؤسسات السيادية في البلد بأن تتوقف عن التعاطي مع الأجسام التنفيذية الموجودة بالداخل، فهو حتى الآن يعتبر أن "هذه الحكومة بمثابة حكومة مهجر لعدم قدرتها على الدخول للعاصمة طرابلس".
بدورها، اعتبرت المحللة السياسية والأكاديمية، حميدة أوبرونية، مديرة مركز الاستشارات والبحوث بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة طرابلس، أن الحكومة التوافقية بدأت فعليًّا في ممارسة مهامها جزئيًّا، وذلك من خلال تواجدها في المشهد الليبي للعلاقات الدولية.
وأوضحت أن "رئيس الحكومة فائز السرّاج يُستقبل في الدول ويلتقي برؤساء الحكومات ورؤساء المنظمات الدولية كممثل للحكومة الليبية، في الوقت الذي اختفى من الصورة كل من رئيس الحكومة المنبثقة من البرلمان عبدالله الثني ورئيس الحكومة المنبثقة من المؤتمر خليفة الغويل".
غير أن "أبورونية" ترى أن العمل من داخل طرابلس لا يزال يواجه مجموعة من التحديات، أهمها الوضع الأمني، حيث تعتقد بأن وجود العديد من المجموعات المُسلحة بها يجعل من الصعوبة بمكان أن تتمكن هذه الحكومة من ممارسة مهامها من الداخل، إلا في حال وجود ترتيبات أمنية مسبقة يمكن أن تحتوي كل هذه المجموعات النافدة و المتمكنة من مقاليد الوضع الأمني.
تفاؤل في الشارع
وعلى العكس من رأي المحللين والمراقبين، ساد التفاؤل والترحيب بالحكومة الجديدة في الشارع الليبي على الصعيد الشعبي، وذلك استنادًا إلى كون أنصار المؤتمر الوطني ومؤيدو البرلمان متفقان على ضرورة إحداث تغيير في المشهد السياسي الليبي بعد أن فشلت كلا الحكومتين في تحقيق ولو الحد الأدنى من أمال و طموحات الشعب.
الليبي الصيد العاتي (44 عامًا) صاحب مقهى تحدث لبوابة "العين" الإخبارية، وهو من مؤيدي قوات فجر ليبيا وكان يرى بأن المؤتمر الوطني (برلمان طرابلس غير المعترف به دوليًّا) هو الجسم الشرعي للبلاد، غير أنه الآن يقول إنه أمام أعضاء المؤتمر خيارين لا ثالث لهما، إما الانسحاب من المشهد السياسي أو قبول الحكومة التوافقية والانضمام لها وتقديم المساندة لها.
فيما تحدث رمضان الشهوب (38 عامًا)، صاحب محل إلكترونات، لبوابة "العين" واصفًا نفسه بأنه من أنصار البرلمان ورأى أن الكيان التشريعي والشرعي في البلاد، "ولكن من ناحية أخرى، وضعُ البلد لم يعد يحتمل بقاء الناس بين طرفي النزاع في الشرق والغرب، وأنه وجب إعطاء الفرصة لحكومة أخرى تُسير شؤون البلاد و توفر الأمن والأمان للناس".
موسى العبيدي (55 عامًا)، مفتش صحي من مدينة بنغازي تحدث لبوابة "العين" معلّلاً حماسه لهذا البيان الصادر عن المجلس الرئاسي بخصوص العمل من داخل ليبيا إلى الفشل الذريع الذي مُنيت به كلا الحكومتين العاملتين في إقليمي البلاد الغربي والشرقي، ويرى أن هذه الحكومة هي طوق النجاة الذي سينتشل البلاد مما تعانيه من أزمات.
من جهته، اعتبر وليد الُمغربي (47 عامًا)، يعمل تاجر، من مدينة طبرق، أن هذا البيان لا يحمل أي جديد وغير واقعي لأن مجلس النواب هو الجهة التشريعية والقانونية التي تُسيرُ شؤون البلاد من خلال حكومة الثني، وأن كل ما يأتي من الصخيرات هو وصاية غربية للبلاد، ولا تمثل الليبيين.
ويُبدي العديد من المراقبين استغرابهم لهذه الدعوة من حكومة الوفاق، في الوقت الذي لا تمتلك فيه مقومات بسط سلطاتها و قوتها على العاصمة طرابلس التي تخضع لسلطات المؤتمر الوطني العام.
وأمس الأحد دعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، الحكومة الليبية الجديدة إلى أن تستقر سريعا في طرابلس، متوعدة معارضي المصالحة الليبية بفرض عقوبات سيناقشها الأوروبيون في بروكسل.
aXA6IDE4LjE4OC4xMzIuNzEg جزيرة ام اند امز