يرسمون لفلسطين وللتعبير عن حبهم للحياة
شاركت مجموعة من الفنانين الفلسطينيين في ورشة فنية على بحر غزة، لتقديم أعمال فنية تجسد واقع الهبة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تضيف آية لمسة أخيرة على لوحتها -التي ترسمها دعمًا للشعب الفلسطيني- حمامة تنشر الأوراق في الهواء، و"الأوراق هذه ما هي إلا الاتفاقيات مع إسرائيل، التي لابد من تمزيقها؛ لأن كل ما فعلته هو تقييد الفلسطينيين بقيود مجحفة"، تقول الشابة آية عبد الرحمن التي تشارك مجموعة من الفنانيين الفلسطينيين في ورشة فنية أقيمت الأربعاء 18 نوفمبر في صالة الشاليهات على بحر غزة، لرسم أطول جدارية قماشية بطول 60 متراً وإنجاز أعمال فنية ولوحات فن تشكيلي تجسِّد واقع الهبة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلتين.
تقول آية، التي تبلغ 24 عامًا لـ"بوابة العين": إنها تعرف يقينًا أن "الفلسطينيين سيهزمون سرطان الاحتلال في نهاية المطاف، كما هزمتُ مرض السرطان الذي استشرى في جسدي طوال 7 سنوات، هذا إيمان راسخ لا يزعزعه الاحتلال بما يملك من أسلحة الفتك وقوى الدعم الدولي".
كما أكد عبد الرحمن برباطة جأش "أن دورهم كفنانين لا يقل هنا أهمية عن دور المقاتل بالسلاح"، ويتابع "نغير بالفن صورة الشعب التي يحاول الاحتلال تشويها في ذهن العالم، تلك الصورة التي تصف الفلسطيني بأنه قاتل لا يقدر الحياة" ، وتقول: "نحن نؤكد اليوم أننا شعب حي مفعم بالحياة ونتوق للحرية والحب، وأننا نتمتع بقدر كبير من الثقافة والفن".
وفي زاوية أخرى، ينشغل الطفل الفنان مصطفى عياش (14 عامًا) أصغر الفنانين، في وضع اللمسات الأخيرة على لوحته الفنية، التي يريد أن "ينقل من خلالها رسالة أطفال فلسطين ورجالها ونسائها للعالم أجمع".
عياش يجسد عمليات الطعن بالسكين؛ لأن الشباب الثائر في الضفة والقدس برأيه "يحمل سكينة دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى"، كما أوضح أن "هذه الرسمة تجسد الواقع المؤلم في الضفة والقدس".
يقول عياش لــ"بوابة العين": "أحاول أن أعبر في اللوحة عن حالة الصراع المستعر بين الفلسطينيين والمحتلين الإسرائيليين في القدس والمسجد الأقصى. هم (الإسرائيليون) يحاولون تدمير الأقصى بأقوى الأسلحة، ونحن ندافع عنه بما نمتلك من أبسط الأسلحة".
عياش الذي يهوى الفن منذ نعومة أظافره، يُقيم في منزله الواقع بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، مشغلًا فنيًّا ومعرضًا يضم أكثر من 100 لوحة فنية تجسد كلها ما تتعرض له قضية شعبه على أيدي الاحتلال، ولا يغفل في لوحاته التعبير عن حب الحياة.
واحتل الفن الجرافيتي مكانة خاصة في فلسطين منذ اندلاع انتفاضة عام 1987، بمساعدة فنانين غربيين مناصرين للقضية الفلسطينية، وتطور هذا الفن حتى بات كل شارع من مدن فلسطين وقراها لا يخلو من رسوماته المعبرة عن الروح الوطنية الثائرة من ناحية، وحب الحياة من الناحية الأخرى.
خلف عياش يتنقل الفنان الشاب جهاد الغول (23 عامًا) في المساحة المخصصة للوحته، يضع لونًا هنا، ويرسم أوراق شجر الزيتون هناك، ويتمم تزيين سماء الضفة بالنجوم". يقول الغول: إنه "يعبر في لوحته عن مبادئه الرافضة للاحتلال والمستعدة للنضال ضده بكل الوسائل والأساليب".
الغول الذي بُترت رجله اليمنى من أعلى الفخذ إثر إصابته بقذائف دبابة إسرائيلية عام 2008، قُرب منزله الواقع بمخيم البريج وسط القطاع، لا يدع إصابته تعيق حبه للفن، ويقول: "تطغى على رسوماتي جوانب تحدي الاحتلال .. بتر قدمي زادني قوة وعزز قناعتي بالاستمرار في مقاومة الاحتلال ومشروعه على الأرض الفلسطينية".
"فن الجرافيتي هو صوت القوة الذي ترسله غزة للأهل في الضفة والقدس، وهو صوت الحق الذي ترسله فلسطين للعالم كله"، يقول الغول: إنه يؤكد أن عشق شبابنا للحياة يدفعهم للتضحية بأرواحهم لتوفير حياة كريمة لملايين الفلسطينيين".
وفي رأي الغول أن فن الجرافيتي لا يقل أهمية عن كل أساليب ووسائل المقاومة ؛ لأن "الرسم واحد من أقوى أنواع الأسلحة في التأثير على الاحتلال: أقوى من الخطب والكلمات؛ لأنها تخاطب عقل العالم وضميره".
ويعتقد العديد من الفنانين أن الفنون المختلفة "قادرة على القيام بدور مهم في فضح اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرين إلى أهمية الأعمال الفنية التي تحمل طابعًا تعبويًّا بغية جمع أكبر حشد دولي ضد الاحتلال وانتهاكاته.
ولا يقل حسام شحادة، مدير المركز الثقافي في مؤسسة الثقافة والفكر الحر (راعية الفعالية)، حماسًا عن الشباب المنهمكين في الرسم، ويؤكد "أنهم يؤسسون بهذا الفن للواجب الوطني الفلسطيني ليكونوا إلى جانب الهبة، وتأكيدًا لحقنا التاريخي في القدس وما يجري فيها من تهويد".
ويجزم شحادة في حديثة لـ"بوابة العين"، أن "الفن الأثر الأكثر رسوخًا في عمق التاريخ وفي ذهن الضمير العالمي. الضمير الذي تستهدف الفعالية الفنية الوصول إليه والتأثير فيه".
فن الجرافيتي برأي شحادة "جزء أساسي من عملية استيلاد أدوات جديدة للمقاومة، إلى جانب أدوات المقاومة الكلاسيكية"، ويتابع "الأدوات الثقافية هي الوحيدة التي تبقى راسخة".
ويضرب مثالًا بالأثر الذي تركه محمود درويش ناجي العلي غسان كنفاني والمئات غيرهم، في الوعي العربي والفلسطيني والعالمي، ويقول: "هؤلاء أسسوا لرواية الحق الفلسطيني وكانوا جزءًا من تشكيل الهوية الوطنية".
ويوضح شحادة أنهم يواصلون النضال بكل ألوان الفن وأشكاله المختلفة، فيوم الثلاثاء الماضي، تم الانتهاء من إنتاج أكبر "أوبريت" فني استعراضي يحكي تاريخ مدينة القدس ومعاناة أهلها مع المستوطنين وجنود الاحتلال.
وتضمَّن الأوبريت ثلاث لوحات جسَّدت محطات من الحياة اليومية في القدس ونشاطات أهلها ومعاناتهم جراء الاحتلال، وصولًا لأهمية الوحدة الوطنية في مواجهة غطرسة المحتل.
ويرى المخرج الفلسطيني عبد الرحمن الحمران، أن الفنانين والمثقفين الفلسطينيين يقفوا سدًّا منيعًا لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي سرقة تاريخنا وثقافتنا الفلسطينية، "الفنانون يقاتلون على الجبهة الثقافية بكل قوة واقتدار".
ويشير الحمران لـ"بوابة العين" إلى أن للفن أهمية غير متناهية "الفن لغة عالمية تخاطب بها مليارات البشر، لذلك لا يغفلها الشاب الفلسطيني المبدع الساعي لسعادة شعبه ووطنه".
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز