خطابات الرئيس الجزائري المتتالية، تكشف عن مخاوف حكومته من انفجار اجتماعي بسبب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
في رسالة هي الثانية في أقل من شهر، ناشد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، مواطنيه "التزام اليقظة إزاء ما يحاك -برأيه- للجزائر من مؤامرات، تستهدف زرع الفرقة وتفكيك الدول".
تكشف خطابات بوتفليقة المتتالية، والتي أخذت شكل رسائل مناسباتية يتناوب وزراؤه على قراءتها، مخاوف حكومته من انفجار اجتماعي بسبب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد التي تعتمد بنسبة 97 في المائة من مواردها على تصدير المحروقات.
ويعتقد متابعون أن تحذيرات بوتفليقة وقبلها تحذيرات رئيس هيئة الأركان نائب وزير الدفاع الفريق قائد صالح، تعكس مدى قلق الجزائر من التوترات الإقليمية وتداعياتها على أمنها.
قراءات أخرى للمشهد السياسي في الجزائر ترى أن السلطة الحاكمة، تستثمر تلك التوترات والأخطار في دول الجوار، ضمن حملة تخويف تستهدف احتواء أي قلاقل اجتماعية محتملة بسبب الأزمة المالية.
وجاءت رسالة الرئيس الجزائري الأخيرة، بمناسبة الاحتفالات بذكرى عيد النصر الذي شهد في 19 مارس/آذار 1962 إبرام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب الجزائر 1954-1962.
في الرسالة التي قرأتها هذه المرة نيابة عنه وزيرة البريد وتكنولوجيات الاتصال، قال بوتفليقة "إن الشعب الجزائري الذي ضحّى بالنفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر وبنائها، مستوقف اليوم، للوحدة واليقظة والتجند حفاظا على سلامة البلاد المجاورة للعديد من الأزمات المشتعلة".
ووصف أزمات الربيع العربي في بعض الدول العربية في المشرق والمغرب، بالأمواج المخربة. وحرص على تسويق الظرف الاقتصادي والاجتماعي الحساس الذي تمر به الجزائر، في سياق ما أسماه الأزمة الاقتصادية العالمية التي مسّت الجزائر مباشرة عبر انهيار أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها.
وسبق للرئيس بوتفليقة أن توجه إلى الجزائريين بمناسبة عيد المرأة قبل أقل من أسبوعين، في رسالة لم تخلُ من تخويف وترهيب، حينما دعا الشعب الجزائري بمختلف مكوناته إلى استيعاب حساسية اللحظة التي تمر بها البلاد في الشق الأمني والاقتصادي.
ويتضح يوما بعد يوم، أن الحكومة الجزائرية التي تعاني عجزا في الميزانية العامة، والتي قد تضطر للاستدانة من صندق النقد الدولي، تستثمر المخاطر الأمنية في الجوار لتهدئة المطالب الاجتماعية.
وتعيش الجزائر على صفيح ساخن، في ظل تقلص الموارد المالية، وتناقص احتياطي الصرف الذي كان في حدود مائتي مليار دولار قبل سنوات قليلة. فقد أرغم شح الموارد المالية بفعل تراجع أسعار النفط، حكومة عبدالمالك سلال، على تغطية النفقات العمومية باللجوء إلى احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
وتبدي الجزائر قلقا واضحا إزاء تنامي نشاط تنظيم الدولة "داعش" في ليبيا وتونس، لذلك رفعت درجة التأهب في صفوف قواتها المرابطة على طول الحدود الصحراوية الطويلة مع البلدين الجارين.
وكانت الجزائر قد نشرت أكثر من 45 ألف عسكري على طول حدودها مع تونس وليبيا، ودفعت مؤخرا بتعزيزات إضافية إلى مختلف المناطق الحدودية خاصة وكأنها في حالة حرب.
على أن حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في الجزائر، لا تقلق الحكومة الجزائرية وحدها. فهناك الجيران الأوروبيون الذين يتوجّسون من أي قلاقل اجتماعية في هذا البلد الكبير.
في مقالٍ نشره موقع "بروجيت سانديكيت" بداية الشهر الجاري، لم يستبعد مسؤول السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، احتمال اندلاع ثورة شعبية في الجزائر إذا استمرت الصعوبات الاقتصادية على ما هي عليه.
يبرر سولانا ذلك، بالإشارة إلى أن الجيل الجديد من الجزائريين لا يعتريه مقدار الخوف الذي يشعر به آباؤهم، من أي صراع اجتماعي مشابه للذي شهدته البلاد في تسعينيات القرن الماضي وراح ضحيته قرابة ثلاثمائة ألف قتيل.
ويرى سولانا أن الخطر الكبير في الجزائر، قد يأتي من الجبهة الاجتماعية حصرا، في حال لجأت الحكومة إلى رفع الإعانات التقليدية التي تمثل صمام السلم الاجتماعي في البلاد على مدى عقود خلت.
aXA6IDMuMTQ0LjI5LjIxMyA= جزيرة ام اند امز