السوق السوداء للعملات الأجنبية تضرب 6 أسواق عربية
تشتعل السوق الموازية للعملة الصعبة في 6 أسواق عربية نتيجة تآكل موارد النقد الأجنبي تحت وطأة الاضطرابات السياسية
تضرب ظاهرة السوق الموازية للعملات الأجنبية 6 أسواق عربية نتيجة تآكل موارد النقد الأجنبي تحت وطأة تراجع عائدات العملة الصعبة بسبب الاضطرابات السياسية من جانب، والحرب الأهلية من جانب آخر، فضلاً عن فرض دول أخرى قيودًا على توفير الدولار للمواطنين حفاظًا على النقد الأجنبي بعد تراجع عائدات النفط.
وتتفاوت الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للعملات الصعبة في الأسواق الست التي تضم مصر والسودان وسوريا والعراق واليمن والجزائر، حيث تبدأ من 5% في مصر وصولاً إلى 100% في السودان.
استحوذت مصر على نصيب كبير من زخم السوق الموازية للدولار في المنطقة العربية، بعد أن اشتعلت أسعار الدولار في العام 2012 ثم عاودت الهدوء لمدة عام قبل أن تنتعش هذه السوق مرة أخرى في العام 2014 نتيجة تآكل احتياطيات النقد الأجنبي رغم المساعدات الخليجية الضخمة.
قال هاني جنينه رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار بلتون إن السوق السوداء للعملة الصعبة عاشت على مدار عامين مراحل مختلفة، إذ وصلت إلى ذروة انتعاشها قبل شهر واحد بوصول سعر الدولار إلى 10 جنيهات مقابل 7.73 جنيه الرسمي قبل أن تهدأ الأسعار مرة أخرى بوصولها إلى قرابة 9 – 9.25 جنيه بعد قيام البنك المركزي بتعويم الجنيه جزئيًا حتى انخفض مقابل الدولار إلى 8.78 جنيه رسميًا.
وتوقع جنينه أن يواصل البنك المركزي المصري خفض الجنيه حتى يصل إلى ما يتراوح بين 9 – 9.5 جنيهات كقيمة عادلة للجنيه تسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتحويلات المصريين في الخارج للجهاز المصرفي الرسمي بدلاً من البنوك.
وتوقعت وكالة التصنيف الائتماني فيتش خضوع العملة المصرية إلى المزيد من الخفض الرسمي حتى يتجاوز حاجز 9 جنيهات للدولار بنهاية 2016.
وتعرضت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي للتآكل على مدار السنوات الخمس الماضية منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حتى انخفضت إلى 16.533 مليار دولار بنهاية يناير/ كانون الثاني 2016 مقارنة بـ 36 مليار دولار بنهاية 2010 نتيجة انخفاض عائدات السياحة والصادرات.
أما في السودان فالوضع بات أصعب حالاً، حيث قال الدكتور محمد الناير محلل اقتصادي سوداني لبوابة "العين" الإخبارية إن هناك سوقا موازية للدولار في السودان منذ قرابة 5 سنوات، وهي تتفاقم بسبب نقص موارد النقد الأجنبي بالسوق حتى اتسعت الفجوة بين السعر الرسمي للدولار البالغ 6.097 جنيه وسعر السوق الموازية الذي يدور حول 12.2 جنيه.
وبحسب الناير فإن أزمة شُح الدولار بدأت عقب انفصال جنوب السودان الذي يستحوذ على قرابة 75% من إنتاج النفط بالسودان، وبدوره كان يشكل حوالي 85% من عائدات التصدير.
وقد نصح صندوق النقد الدولي السودان خلال العام 2015 بخفض سعر الجنيه بغرض تقليص الفجوة بين سعري صرف الدولار في السوقين الرسمي والموازية، خاصةً أن السعر الموازي هو المُعتمد في التعاملات التجارية للقطاع الخاص.
ويوجد تحفظ لدى البنك المركزي السوداني في إعلان رصيد البلاد من الاحتياطي النقدي الأجنبي، فيما يتوافر بيانات غير محدثة في هذا الصدد إذ رصد صندوق النقد أن احتياطيات البلاد سجلت 267 مليون دولار خلال الربع الأول 2014.
وأوضح الناير أن البنك المركزي يحاول السيطرة على نقص الدولار بإصدار تدابير لتخفيف الضغط على موارد النقد الأجنبي مثل السماح للمستوردين بالاستيراد دون الاعتماد على البنوك في تمويل العمليات، بل على المستوردين تدبير احتياجتهم من النقد الأجنبي من مصادر خارجية.
وتعيش اليمن هي الأخرى مرحلة سيئة للغاية في إدارة ملف النقد الأجنبي، فهناك فجوة تصل إلى 30% بين السعرين الرسمي والموازي للدولار.
إذ يبلغ سعر الدولار في الجهاز المصرفي 215 ريالا مقابل 280 ريالا في السوق السوداء، وازداد الوضع سوءًا بعد الانقلاب الحوثي ودخول البلاد حربا أهلية أدت إلى تقلص مواردها من النقد الأجنبي.
وأسفرت الحرب الدائرة في اليمن إلى شبه توقف للعائدات النفطية التي كانت تغطي 70% من ميزانية الدولة، فضلاَ عن تأمين الشق الرئيسي من موارد النقد الأجنبي.
وبحسب دراسة أعدها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بالشراكة مع مؤسسة فريدريش ايبرت فإن الاضطرابات أدت إلى ضعف توليد الطاقة الكهربائية وشح الوقود، ما تسبب في إغلاق العديد من المصانع الكبيرة والصغيرة وتعليق شركات أجنبية ومنظمات دولية أعمالها والخروج برؤوس أموالها إلى الخارج.
ولا توجد إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن البنك المركزي اليمني بشأن تطور احتياطيات النقد الأجنبي، ولكن بحسب تصريحات صحفية نقلتها وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" مطلع العام الجاري عن خالد بحاح نائب الرئيس اليمني ورئيس الحكومة فإن الاحتياطي انخفض من 5.2 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2014 إلى نحو 2.3 مليار دولار في نهاية 2015.
وانعكست هذه الأوضاع الصعبة على حياة المواطنين، حيث رصدت تقارير للأمم المتحدة العام الماضي عن تضاعف أسعار السلع الغذائية مثل الدقيق الذي ارتفع بنحو 300%.
أما العراق فالوضع أفضل حالاً عن نظيره السوداني واليمني، فوفقًا لوسام صالح محلل اقتصادي فإن الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي مازال يدور حول 16.7%.
وأوضح صالح لبوابة "العين" الإخبارية أن سعر الدولار بالجهاز المصرفي يبلغ 1088 دينارا في حين يصل إلى 1270 دينار بالسوق السوداء.
وأضاف أن أحد الأسباب الرئيسية في نشاط السوق السوداء هو تأثر احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي سلبًا بتراجع عائدات النفط نتيجة انخفاض الأسعار، بالتزامن مع اعتماد بغداد على الموارد الدولارية في تمويل معركتها ضد تنظيم داعش.
ووفقًا لتصريحات منقولة عن علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي فإن احتياطيات النقد الأجنبي تقترب من 68 مليار دولار وتغطي وارادات البلاد لمدة 6 أشهر، وأن المركزي يسعى لتعزيز الاحتياطيات عبر طرح سندات في الخارج بقيمة 2 مليار دولار، بخلاف سندات محلية بقيمة 5 مليارات دولار.
ويعتمد البنك المركزي على آلية طرح مزادات لبيع النقد الأجنبي للمصارف وتدعيم سعر الدينار في السوق الرسمية.
وبحسب الخطة الاستراتيجية للبنك المركزي خلال 2016 حتى 2020 فإن الحفاظ على استقرار أسعار الصرف هو أحد أولويات السياسة النقدية بهدف تهيئة بيئة ملائمة للاستثمار واستقرار الأسعار، فضلاً عن معالجة الخلل بميزان المدفوعات.
بينما على الجانب الآخر أكدت وكالة بلومبرج الأمريكية أن انخفاض عائدات العراق من النقد الأجنبي ينعكس في تكبّد موازنة البلاد عجزًا بقيمة 30 مليار دولار، فضلاً عن توقعات الهبوط باحتياطات النقد الأجنبي إلى 45 مليار دولار بنهاية العام 2016.
فيما لفت وسام صالح إلى أن هناك مضاربات على العملة الخضراء بالسوق السوداء وهي أحد الأسباب الرئيسية في استمرار ارتفاع الدولار، والذي انعكس بدوره على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأدوية.
أما في سوريا، فوضع الليرة بات متأزمًا للغاية حتى بات يحدد مصرف سوريا المركزي أكثر من سعر لصرف الدولار بحسب نوع العملية، حيث يبلغ سعره 354 ليرة عند تسليم الحوالات، ويرتفع إلى 397 ليرة لتمويل الواردات.
بينما حدد المركزي السعر المتداول للدولار في شركات الصرافة عند 335.67 ليرة، غير أن سعره وصل بالسوق السوداء إلى ما يتراوح بين 375 إلى 380 ليرة.
وأدى هذا الواقع المضطرب تحت وطأة الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، إلى تحول السوق السوداء لوجهة حقيقية لتدبير احتياجات السوق السورية من العملة الصعبة.
وعلى صعيد آخر، تمتد ظاهرة السوق الموازية إلى الجزائر لبيع العملات الأجنبية المختلفة وتحديدًا الدولار واليورو بسبب حظر قانون الصرف الجزائري تحويل أكثر من 15 ألف دينار جزائري إلى عملة أجنبية لصالح المواطنين لأغراض السفر تحت مسمى "المنحة السياحية" ويرخص بها مرة واحدة في السنة لمن يريد السفر خارج البلاد.
كما أن قيود توفير العملة الصعبة تمتد أيضًا إلى المستثمرين، ما خلق طلبًا عليها بالسوق الموازية خاصةً في ظل غياب مكاتب الصرافة الرسمية بالجزائر، رغم إقرار الحكومة تشريعًا خاصًّا ينظم عمل مكاتب الصرافة.
ويعود ذلك إلى أن القانون لم يلقَ تجاوبًا بتقديم طلبات ترخيص لتأسيس شركات صرافة بدعوى أن هامش الربح المقترح في القانون لا يمكنه منافسة الهوامش المحققة في السوق الموازية.
هذا الوضع أسفر عن حدوث فجوة بين سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الدينار بين السوقين الرسمية والموازية، إذ يصل سعر اليورو في الجهاز المصرفي إلى 119 دينارا، بينما يلامس حدود 190 دينارا في السوق الموازية، أما الدولار فسعره الرسمي يقترب من 109 دينارات مقابل أكثر من 165 دينارا في السوق السوداء.
aXA6IDMuMTQ1LjExNS4xMzkg جزيرة ام اند امز