هذا الأسبوع، تابع العالم أجمع، الحضور الإماراتي الاستثنائي في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك.
ومنذ اللحظة التي جلس فيها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بدا المشهد في ظل هروب كثير من الدول، أنها مواجهة شجاعة وجريئة، وكيف تختار الإمارات طريقها في استخدام وتوظيف القدرة الدبلوماسية والحنكة السياسية لتتفوق على ضجيج القصف والمدافع وتلجمه.
ومن وجهة نظري، كانت تلك الجلسة لحظة فارقة توضح مدى النضج السياسي والحكمة الإماراتية، كما هو عادة، صريحا ومباشرا وقويا: "وقف الحرب في غزة ضرورة إنسانية وتاريخية، وإدخال المساعدات مسألة عاجلة، وصوت سكان غزة من المدنيين الأبرياء هو الذي يجب أن يُسمع أولا وليس شيئا آخر.
أصبح الجميع يعرف أن الدبلوماسية الإماراتية تؤمن بأن الحوار هو أداة للتغيير وأن بناء الجسور أنفع من إشعال الحرائق. وقد لاحظ الجميع أيضا، خطاب وزيرة الدولة لانا نسيبة أمام الجمعية العامة، الذي بدا وكأنه يلخص عقودا من سياسة إماراتية متوازنة: دعم حل الدولتين كخيار استراتيجي، حماية المدنيين باعتبارها قيمة إنسانية، وفتح مسارات السلام حتى في أكثر اللحظات قسوة.
وهذه ليست جديدة على سياسة ورؤية دولة الإمارات، فهي تنتهج طريق السلام والأخوة الإنسانية والتعايش السلمي، وتدرك أنها الخيار الوحيد الذي يمكن أن ينقذ العالم من آفات الحروب والنزاعات، ونعلم أنه ومنذ وقت قريب، نجحت الإمارات في جمع وفود متنازعة من روسيا وأوكرانيا لتبادل الأسرى، كما رعت محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان، ودفعت بمسارات تهدئة في جنوب آسيا. وغيرها الكثير من مبادرات السلام الدولية، وأن المشهد الذي تكرر بشجاعة لا مثيل لها في نيويورك، هذا الأسبوع، ينبع من ذات السياسة والرؤية مهما كانت تكلفة ذلك، ومهما بذل المشككون من جهود لتغييرها.
وكما شاهدنا وتابعنا جميعا ما فعله الإخوان الفاسدون في صحفهم وقنواتهم ووسائلهم الإعلامية المشبوهة، سواء إخوان اليمن ومصر والسودان وتونس وحتى الدول التي ما زالت تقف خلفهم وتدعمهم، فالهدف واحد هو تشويه صورة دولة الإمارات، ومحاولة طمس إنجازاتها العظيمة في غزة، والتي أقلها أن الامارات تشكل 45% من إجمالي المساعدات العالمية لغزة، فكيف سيطمس هؤلاء الفشلة هذه الحقائق التي سجلها التاريخ بأحرف من نور؟!
ماكينة الإخوان الفاسدين، حاولت بشراسة شديدة تشويه حضور القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، فقد أغاضهم جدا، خاصة إخوان اليمن، وهم يرونه يرفع راية الجنوب في قلب الأمم المتحدة، ليقول للعالم بلسان واثق إن قضية شعبه باتت جزءا من المعادلة الدولية، لكن الزبيدي تمكن من هزيمتهم جميعا، فكان حضوره عبارة عن إعلان تاريخي عن أن الجنوب العربي أصبح شريكا أساسيا في أي تسوية تخص مستقبل اليمن والمنطقة.
خطاب الزبيدي في جامعة كولومبيا مثّل نقطة انعطاف مهمة، حيث رسم إطارا عمليا لاستعادة دولة الجنوب على حدود ما قبل 1990، عبر رؤية تجمع بين البعد السياسي والاستراتيجي والاقتصادي. فوضح الزبيدي بجلاء أن أي سلام عادل لا يمكن أن ينجح من دون الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره، وأن دولة قوية وديمقراطية في عدن وحضرموت وأبين وباقي محافظات الجنوب، سوف تمثل بلا شك صمام أمان ضد المشروع الحوثي الذي يستنسخ من طهران أزماته الطائفية. ويمكن القول أن خطاب الزبيدي، كان عميقا يطرح نهجا بديلا قابلا للحياة، والذي يمكن اعتباره خريطة طريق تتجاوز الشعارات إلى برنامج دولة.
الأكثر لفتا للنظر أن خطاب الزبيدي تضمن أيضا إشارات اقتصادية مباشرة، حيث تحدث عن شراكات مع البنك الدولي في مشاريع الكهرباء، وعن خطوات لتثبيت العملة، وعن تدخلات ميدانية لمواجهة الفيضانات الأخيرة في عدن ولحج، وغيرها، وهذه كلها دلالات أن المجلس الانتقالي هو دولة قائمة بالفعل، تضع كل اهتمامها وتركيزها على هموم المواطن الجنوبي اليومية وفي ذات الوقت التحرر من الوحدة التي انتهت على أرض الواقع، منذ العام 1994، ولم يعد لها أي وجود قانوني وعملي.
أعتقد أن لقاءات الزبيدي النوعية مع كبار القادة والمسؤولين الدوليين، تؤكد أن الجنوب العربي بات يُعامل باعتباره رقما صعبا في معادلة السلام الإقليمية، فكل تلك اللقاءات حملت رسالة واضحة أن الجنوب شريك في الاستقرار ومكافحة الإرهاب، وفي حماية الممرات الدولية. وبالنسبة لي، فإن هذه الرسائل يجب أن تصل إلى المعنيين بأن عصر التبعية قد انتهى، وأن زمن الدول الصديقة والشريكة قد بدأ.
هذا الحضور الساطع للجنوب العربي، يمثل انتقال الجنوب من الهامش إلى المركز، ومن موقع الدفاع إلى موقع المبادرة. وما أشد رمزية أن يتردد صوت الجنوب في نيويورك، المدينة التي تشهد ميلاد القرارات الكبرى، والتي ستشهد قريبا، عودة دولة الجنوب العربي يرفرف مع أعلام دول العالم هناك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة