من أكثر الأشياء جذبا للانتباه ومدعاة للدهشة أنه رغم كل النجاحات الدبلوماسية الإماراتية في تغيير اتجاهات الأحداث في العالم إلا أن لدى البعض شكا في قدرتها على إجبار الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن قراراتها لضم أراض فلسطينية وتأكيدها بأن ذلك "خط أحمر".
ومع كل ذلك علينا أن نتفهم مزاعمهم بشأن محدودية تقدير قوة التأثير الإماراتي من باب أن هؤلاء "البعض" مهزومون نفسياً نتيجة للشعارات السياسية والفكرية التي لا يزالون يحتفظون بها من خطابات الخمسينيات والستينيات.
في المرتين، أحدث الموقف الإماراتي جدلاً إعلامياً وإن كان في المرة الثانية أكثر لأنه استند على منطلقين هما، أن تصويت الكنيست الإسرائيلي بقرار الضم معناه قرار يجب على الحكومة اليمينية تنفيذه. ومن منطلق أن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تضع اعتباراً لأحد سوى الإدارة الأمريكية ولكن الذي تبين لاحقا أن الموقف الإماراتي مبني على أسس واقعية؛ لأنه سبق الموقف الأمريكي. وهو ما أعطى إشارة لمدى فهم الإمارات لكيفية إدارة العلاقات الدولية والتأثير فيها، فمواقف الدول لا تقاس بكبر مساحتها الجغرافية وإنما بقدرتها على تغيير اتجاهات سياسات الدول والتأثير في قراراتها.
فـ"الخط الأحمر" الإماراتي في المرتين ينطلق من أن الأمل الوحيد للدولة الإسرائيلية وليس للحكومة الحالية فقط؛ يتمثل في عدم ضم أراض فلسطينية جديدة وقبل ذلك في الخروج من المستنقع الفلسطيني وبأفضل طريقة ممكنة؛ لأن هناك حالة من الغضب العربي والدولي من ممارسات حكومة نتنياهو وأن منطقة الشرق الأوسط في حالة تشكل جديد وبالتالي فالمنطقة بحاجة إلى استقرار وهدوء أكثر مما يسعى له نتنياهو وفريقه في إشعال المنطقة.
كما أن تراجع إسرائيل عن الضم في وقت قصير، لا يخلو من دلالة أن إسرائيل تدرك أن الإمارات تدير علاقاتها معها بما يحفظ للعرب ولكل دول المنطقة مصالحها، وأنها وضعت خطوطا واضحة في التعامل معها من أجل تحقيق تفاهمات تخدم الجميع بما فيها الأمن الإسرائيلي.
المؤسف أنه في زحمة الجدل على مواقف الإمارات لتفعيل العمل السياسي العربي والنهوض به لاسترداد حقوقه المسلوبة إما بفعل الجمود الفكري في لحظة تاريخية لا تريد أن تتزحزح وفق ثبات الأيديولوجيا أو بسبب عدم الثقة بقدرات بعض الدول العربية رغم كل النجاحات الدبلوماسية والتنموية في ظل كل ذلك، ضاعت أفكار ومجهودات مهمة تقدمت بها دولة الإمارات من أجل تغيير واقع منطقتنا فصار العرب يحومون حول نفس الدائرة دون القدرة على الخروج منها بل تسببت في خسارة العديد من الفرص كانت مكتسبات في فترة معينة ولكن اليوم انقلبت لتكون مطالب يمكن الموافقة عليها وفي أحسن الأحوال علينا التفاوض فيها من جديد.
الإمارات تعتقد أنه يمكن تحجيم التمدد الإسرائيلي من خلال سد الذرائع عبر الحوار والتفاوض معها، ومن خلال أن التعامل مع الشعب الإسرائيلي يمكن أن يكون المدخل المهم للضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من أجل التفاهم في استقرار المنطقة، وبالتالي التأكيد على أن التوازن في الأمن هو المعادلة الحقيقية للخروج من دوامة التطرف والكره في المنطقة، فمثلما للفلسطينيين حق في الحصول على دولتهم المستقلة فإنه من حق إسرائيل الشعور بالأمان من الأيديولوجيين الذين يدعون المقاومة.
وبمتابعة النشاط السياسي الإماراتي خلال العامين الماضيين سواء في داخل قطاع غزة من خلال المساعدات التي تقدمها ليس فقط في حجمها وكثافتها وإنما في تقديمها أثناء اللحظات الحرجة التي تغلق فيها الحكومة الإسرائيلية المنافذ الحدودية، أو من خلال النشاط الدبلوماسي في الخارج بتغيير مجريات القرار الإسرائيلي، في وقت الكل (السياسيون قبل المحللين) يتشككون من الخط الأحمر الإماراتي، نتساءل: كيف يمكن أن يكون الوضع العربي لو استمعوا لرؤية الإمارات الداعية للتفاهم والحوار أو عملوا من أجل تغيير طريقة التفكير في التعامل مع خصومهم السياسيين؟!
إن القيمة الحقيقية للموقف الإماراتي في أهم قضية إنسانية أنها تقدم دروساً تطبيقية في كيفية ما ينبغي أن يكون التعامل العربي مع دوائر صنع القرار في العالم، وبالتالي بناء مستقبل إنساني بعيدا عن عقد الماضي وإنما من خلال بناء شراكات إنسانية: يكسب فيها الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة