في زمنٍ أصبحت فيه المنصات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، تحوّل مفهوم «الترند» من كونه مؤشرًا على التفاعل إلى أداةٍ تؤثر في الفكر والسلوك وتشكّل الوعي الجمعي.
ومع هذا التحول المتسارع، تبرز الحاجة إلى الوعي بخطورة الانقياد الأعمى وراء كل ما يتصدر المشهد الرقمي.
قال رئيس المكتب الوطني للإعلام في تصريحٍ لافتٍ: «ليس كل ترند يُصنع للتسلية، فبعضه يُفصَّل بخبثٍ ليسقط الوعي ويحرق القيم، وفي الوقت الذي أصبحنا نرى فيه الجري وراء الترند هوسًا، علينا أن ندرك حجم التحدي أمام الأسرة والمجتمع».
تلك الكلمات ليست تحذيرًا عابرًا، بل دعوة عميقة لمراجعة طريقة تعاملنا مع المحتوى الرقمي الذي بات يوجّه أفكار الأجيال ويؤثر في ذائقتهم وسلوكهم اليومي.
لقد صار الفضاء الرقمي اليوم مفتوحًا بلا حدود، وتحوّلت المنصات إلى ساحاتٍ يتنازع فيها الوعي بين البناء والهدم. فهناك من يوظّف الإعلام الجديد في نشر المعرفة والقيم الإيجابية، وهناك من يستغله للتضليل أو الإثارة أو تمرير رسائل خفية تضرب في عمق الهوية والمعتقد.
وهنا يأتي دور الأسرة، التي تمثّل خط الدفاع الأول ضد هذا الانجراف. فالمسؤولية لا تكمن في المنع أو المراقبة القسرية، بل في الرقابة الواعية القائمة على الحوار، والفهم، والمشاركة. كما قال رئيس المكتب الوطني للإعلام موجّهًا رسالته للأهالي: «راقبوا أبناءكم بوعيٍ لا بخوف، وبحوارٍ لا بعقاب».
فالمراقبة التي تُبنى على الثقة تخلق جيلًا أكثر توازنًا ونضجًا، قادرًا على التمييز بين ما يُغذّي فكره وما يُفسده.
المجتمع الرقمي اليوم يفرض على الجميع مسؤولية مشتركة: المدرسة، والإعلام، والأهل، وحتى صُنّاع المحتوى. إذ لا يمكن الاكتفاء بدور المتفرج، بينما تُعاد صياغة عقول الشباب عبر مقاطع قصيرة ورسائل موجهة تتخفّى خلف التسلية.
فالوعي الرقمي لم يعد ترفًا، بل هو واجب وطني وتربوي لحماية الهوية الفكرية والاجتماعية للأجيال القادمة.
لقد آن الأوان لأن ندرك أن الترند زائل، أما أثره فقد يبقى طويلاً. لذلك فإن الاستثمار الحقيقي ليس في عدد المشاهدات أو الإعجابات، بل في بناء وعيٍ صلبٍ يحصّن أبناءنا من الانقياد الأعمى، ويجعلهم شركاء في صنع المستقبل، لا أدوات في حملاتٍ لا يدركون أهدافها.
الوعي هو الحصن.. والرقابة الواعية هي السور الذي يحمي هذا الحصن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة