في الوقت الذي تتقدم فيه الإرادة الإقليمية والدولية نحو فتح أبواب السلام في اليمن، يظهر مجددًا تحالف الشر المتمثل في ذراعي المشروع الإيراني، جماعة الحوثي الإرهابية، وتنظيم الإخوان اليمني الممثل بحزب الإصلاح، كأكبر معوقي أي مبادرة حقيقية نحو الاستقرار.
وكما نعلم جميعا، فمنذ عام 2015، سعى الإخوان في اليمن إلى اختطاف القرار السياسي والعبث بالمؤسسة العسكرية، فتسببوا في تعطيل المعارك ضد الحوثيين، بل وسهّلوا تمددها داخل الجغرافيا اليمنية، تحت ذريعة الحفاظ على "الشرعية"، بينما كانوا يتقاسمون النفوذ والمصالح مع المليشيات الطائفية. وعندما اقتربت القوات الجنوبية من صنعاء، طُعنت من خاصرتها، لا من عدوها!
من مأرب إلى تعز، ومن شبوة إلى أبين، كان التقدم الحوثي والاجتياح العسكري نتيجة تنسيق خفي بين قطبي الفوضى الحوثيين والإخوان. وكأن التاريخ يكرر نفسه، حين تلتقي الجماعات المؤدلجة على حساب شعوبها، متجاوزة حدود الخلافات المذهبية لتلتقي في خندق واحد ضد الاستقرار.
اليوم، بينما تشتعل جبهات الخطاب الحوثي بالتحريض ضد موظفي الأمم المتحدة، وتتصاعد وتيرة الاعتقالات والممارسات القمعية ضد المنظمات الإنسانية، يحاول قادة الجماعة تحويل العمل الإغاثي إلى ورقة ضغط سياسي، ويزيفون وعي اليمنيين بشعارات ممانعة جوفاء، ويظهر حزب الإصلاح، مجددًا، كطرف ثالث في الحرب، يتنقل بين الولاءات، ويتقن استخدام الانقسام كورقة تفاوض، بينما يعيد تموضعه داخل الجنوب، بهدف عرقلة أي مشروع نهضوي بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويبدو أن شعب الجنوب العربي، الذي عانى لعقود طويلة من التهميش والإقصاء، قد أثبت اليوم أنه أكثر وعيًا واستعدادًا للعبور نحو المستقبل، متحدًا خلف قيادته السياسية والعسكرية، ومؤمنًا أن استعادة دولة الجنوب العربي هي وعد تاريخي يليق بتضحيات الشهداء والعمل الجاد والمثابر.
اللحظة الراهنة تتطلب حسمًا لا مواربة فيه، فلا بد من إخراج الإخوان من المشهد السياسي اليمني، وتجفيف منابع الدعم التي لا تزال تصل إلى شبكاتهم، والعمل على دحر الحوثيين بكل الوسائل المشروعة، وإعادة الاعتبار للجنوب بوصفه شريكًا أصيلاً في صياغة مستقبل اليمن والمنطقة.
في المقابل، علينا أن نلاحظ أيضا، أنه ومنذ اللحظة الأولى لعاصفة الحزم، تقدّمت الإمارات الصفوف بوضوح في معركة الدفاع عن الجنوب العربي، ولم تتوانَ يومًا عن تحويل المواقف السياسية إلى دعم ميداني ملموس، بدءًا من تحرير عدن، مرورًا بتمكين القوات الجنوبية، وصولًا إلى تشكيل حزام أمني أعاد رسم خارطة السيطرة، ولم يتوقف هذا الدور عند حدّ الدعم العسكري، بل يتجاوزه إلى صياغة مقاربة سياسية واضحة تُعلي من شأن الشراكة العربية وتعيد الاعتبار لقضية الجنوب في المحافل الدولية، بعيدًا عن تواطؤ مشاريع الإخوان والانتهازية الإقليمية.
وفي الوقت الذي تنسحب فيه أطراف كثيرة من مشهد الالتزام، كانت الإمارات تدشّن مرحلة جديدة من البناء في الجنوب. مشاريع الكهرباء التي أنارت المحافظات المحررة بعد سنوات من التعتيم، ومبادرات التعليم التي تُوّجت مؤخرًا بافتتاح "مدارس زايد" كرمز لنهج مستدام في إعادة الحياة، تؤكد أن الإمارات لا تكتفي بدور المقاتل، بل تؤسس لجغرافيا عربية مستقرة تحترم الإنسان وتمنحه أدوات الصمود، وهذا الحضور الإماراتي، بعمقه الإنساني ووضوحه الاستراتيجي، يفضح من يريد للجنوب أن يبقى ساحة تناحر، ويُعيد تعريف الحضور العربي في اليمن كقوة تحرر لا وصاية.
وفي ظل ذلك، تصبح المعادلة واضحة لا لبس فيها، فلا سلام مع ابتزاز الحوثي وتحركاته الإرهابية ولا استقرار مع ازدواجية ولاء الإخوان وخياناتهم المتكررة، فشمال اليمن يحتاج إلى الأوفياء لتحريره، والجنوب العربي بات أقرب من أي وقت مضى لاستعادة دولته، فهو يمتلك الآن كل مقومات الدولة، الإرادة، الأرض، الشعب، والقيادة.
وأرى أنه على كافة المؤسسات القانونية والإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي العمل بطاقة مضاعفة لجعل المجتمع الدولي كله ينصت إلى صوت الجنوب، على اعتبار أنه يحمل خارطة الحل، ويُجسد روح التغيير. وعلى القوى الإقليمية أن تستثمر في الجنوب العربي، لأن كل يوم يُهدر في المراوغة السياسية وتجاهل الحلول المتوفرة يُقابله نزيف في الجغرافيا والإنسان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة