يقول الأديب الروسي الكبير ليو تولستوي: "الجميع يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه".
وإن إسقاط هذا القول على عالم السياسة في هذه المرحلة، يضعنا أمام مرآة تعكس ممارسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انشغل بصناعة السلام في الخارج، فيما يتعمّق الانقسام في الداخل الأمريكي.
فعند التأمل في سياسات إدارته، يتّضح الزخم الكبير في محاولات إخماد فوضى الصراعات حول العالم — تجميدها أكثر من حلّها.
فكما كتبتُ في مقالة سابقة، فإن معظم النزاعات التي تدخلت فيها إدارة ترامب جُمّدت دون أن تُحلّ. ومع ذلك، يبدو أن ترامب يستلهم من مقولة ثيودور روزفلت: "افعل ما تستطيع، بما تملك، حيث أنت".
إذ قادته رغبته الشخصية إلى خوض الملفات التي استعصت على الإدارة الديمقراطية السابقة، سعيًا وراء إنجازٍ قد يقوده إلى جائزة نوبل للسلام.
لكن المفارقة أن السلام الخارجي يبدو أسهل من السلام الداخلي. فخارج الولايات المتحدة، تلعب واشنطن دور الوسيط لا الطرف، ولا تمثل تلك الصراعات خطرًا مباشرًا عليها، بل تمنحها رصيدًا دبلوماسيًا وزخمًا إعلاميًا كبيرًا، مما يجعل السعي وراءها مغريًا.
أما في الداخل، فالمعادلة مختلفة: التنازل يُفسّر ضعفًا، والتسوية مع الخصم قد تُعدّ خيانة. لذا يصعب على ترامب أن يمدّ يده إلى الديمقراطيين، خاصة في ظل شخصيته الباحثة عن التفرد وتصفية الحسابات، وقناعته الراسخة بأنه "سُرقت منه الانتخابات".
وكتب توماس فريدمان في نيويورك تايمز أنه يأمل أن يستلهم ترامب من نجاحاته الخارجية ليصنع سلامًا داخليًا، عبر دعوة الديمقراطيين إلى “كامب ديفيد” لإبرام معاهدة سلام أمريكية–أمريكية. خطوة كهذه، كما يرى فريدمان، قد ترفع شعبيته في الداخل.
غير أن هذا الأمل يبدو بعيد المنال؛ فالشخصية الترامبية تميل إلى المواجهة لا المصالحة، وإلى الانقسام لا الجسر.
ومع غياب قيادات ديمقراطية قوية، قد يظن ترامب أن خصومه أضعف، لكن استطلاعات الرأي تُظهر أنه هو من بدأ يخسر أرقامه تدريجيًا.
في النهاية، تذكّرنا التجربة الأمريكية بأن إصلاح البيت أصعب من بناء مدينة جديدة. فبينما يسهل على القائد أن يصنع سلامًا بين الآخرين، يبقى التحدي الحقيقي في أن يصنع سلامًا مع ذاته وداخل أمته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة