هل كان عبد الكريم قاسم زعيمًا وطنيًا أم ديكتاتورًا؟
5 سنوات فارقة في تاريخ العراق السياسي، ما بين انقلاب على الحكم ليتحول من ملكي إلى جمهوري وإنهاء حياته, إنها قصة الزعيم عبد الكريم قاسم
في ذكرى ميلاد عبد الكريم قاسم نروي لكم قصة حياة أول حاكم للجمهورية العراقية وكيف كانت العراق في زمنه، وما هي أهم إنجازاته. هل كان قاسم زعيماً وطنياً بالفعل محبوباً من الشعب أم كان استبدادي يهابه الجميع؟ لنبدأ في التعرف على قصة نشأته وكيف ترعرع.
حياة عبد الكريم قاسم
ولد في 21 نوفمبر 1914، من عائلة فقيرة تعيش في أحد أحياء العاصمة بغداد. كان والده يعمل نجاراً بسيطاً، ولم يكن ذلك عائقاً أمام قاسم ليكمل تعليمه ويتخرج من المدرسة الثانوية المركزية (القسم الأدبي) ببغداد عام 1931.
طوال حياته، عُرف قاسم بأخلاقه النبيلة حيث قالوا الكثير عنه بأنه صاحب الصفات الحميدة والتي من أفضلها أنه كان مهذباً وذا أخلاق عالية وحضارية.
وكان أكبر الألغاز التي تسيطر على حياة عبد الكريم قاسم حتى وقتنا هذا حرصه على عدم الإعلان عن مذهبه الديني.
هل تزوج عبد الكريم قاسم؟
بقي عبد الكريم قاسم أعزباً طوال حياته ولم يتزوج قط، ولكنه أحب مرة واحدة فقط في حياته. بدأت قصة حبه عندما كان معلماً، حيث أحب معلمة من الشامية. وكان دائم الزيارات لمدارس البنات، إلى أن فوجئ في إحدى المرات بوجود خاتم زواج في يد تلك المعلمة، الأمر الذي جعله يمنع زيارة أي مدرسة إطلاقا.
من معلم إلى زعيم الجمهورية
عمل قاسم كمعلم في قضاء الشامية لمدة عام تقريباً، ثم دخل السلك العسكري بعدما أعلن الجيش العراقي حاجته لضباط جدد في عام 1932 والتحق بالكلية العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان عام 1934، ليبدأ مسيرته العسكرية. وفي غضون سنوات قليلة، تفوق في العسكرية وتدرج في الرتب حتى وصل إلى عميد ركن عام 1955.
الحروب التي شارك فيها عبد الكريم قاسم
وتشير الوثائق التاريخية أنه شارك في العديد من الحروب والحركات السياسية، منها:
- حركة الفرات الأولى عام 1935.
- حركات مايس عام 1941.
- حرب فلسطين عام 1948/1949.
- انضم لحركة الضباط الأحرار عام 1956، ليصبح رئيساً لها عام 1957.
- قاد ثورة 14 يوليو في عام 1958، واستطاع الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية العراقية ليكون أول رئيس وزراء للحكومة في العهد الجمهوري والقائد العام للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع بالوكالة.
ثورة 14 تموز 1958 بالعراق
بعد نجاح ثورة 14 تموز في إسقاط النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، تولي العقيد الركن عبد السلام عارف منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وتم توزيع باقي الوزارات على أعضاء تنظيم حركة الضباط الأحرار حسب إسهامهم بالثورة. إلا إن العراق شهدت مجموعة من الاضطرابات الداخلية أثناء حكم قاسم، مما جعل تلك الفترة غير مستقرة على الصعيد الداخلي.
عبد الكريم قاسم وعبد الناصر
وعلى الصعيد الإقليمي، أثار عبد الكريم جدل كبير بين العراقيين نتيجة رفضه لكل أشكال الوحدة العربية ورفضه الانضمام إلى الاتحاد العربي، الذي عرف آنذاك بالجمهورية العربية المتحدة. ونتيجة لذلك، ظهرت قوى معارضة شديدة لحكم عبد الكريم قاسم وقد ساند تلك المعارضة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مؤيداً لمحاولة الانقلاب العسكري على نظام حكم قاسم في الموصل عام 1959.
الزعيم عبد الكريم قاسم وصدام حسين
أثناء معارضة الموصل 1959، تعرض عبد الكريم قاسم إلى محاولة اغتيال في شارع الرشيد ببغداد، والتي نُقل على إثرها إلى أحد المستشفيات. وقد اشترك في هذه المحاولة ستة أشخاص هم: إياد سعيد ثابت، خالد علي الصالح، أحمد طه العزوز، سليم عيسى الزيبق، عبد الحميد مرعي، سمير عبد العزيز النجم، وعبد الوهاب الغريري الذي كان صاحب أول رصاصة أطلقت نحو سيارة عبد الكريم ولكنه سقط قتيلاً فوراً.
محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم 1959
وكان من بين الأعضاء المساندين لتلك المحاولة "صدام حسين" الذي اعترف بكل صراحة أثناء محاكمته بأنهم كانوا يحملون ستة أسلحة رشاشة وصرح بأنها كانت تكفي لإتمام عملية الاغتيال وقال "هكذا قمت باغتيال عبد الكريم قاسم وأنا مؤمن بما قمت به".
أسباب سقوط نظام عبد الكريم قاسم
كسب قاسم عداوات كثيرة أثناء فترة حكمه سواء من مراكز القوي أو الشخصيات السياسية العربية من أبرزهم: خلافاته مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس السوري ناظم القدسي وعاهل الأردن الحسين بن طلال وفيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية وأمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح.
ولقد استمر قاسم في إثارة الجدل حول أفكاره ومطالبه التي كانت تدعو إلى ضم الكويت للعراق. إلا أن هذا الأمر أدى إلى مطالبة الدول العربية بانسحابه من عضوية العراق في الجامعة العربية.
ولم ينته الأمر إلى هذا فقط، بل حدثت الكثير من حركات التمرد ضد قاسم من قِبل الأكراد في 1961، مما تسبب في إضعاف الهيمنة المركزية لقاسم على حكم العراق. وكانت آخر الحركات المعارضة ضد حكمه هي ثورة الانقلاب في 8 شباط/فبراير 1963 والتي قام بها مجموعة من الضباط العسكريين العراقيين المنتمين لحزب البعث.
أول حاكم عربي يعدم على الهواء
ويشير التاريخ إلى أن اللواء الركن عبد الكريم قاسم قد نجا من ثماني عشرة مؤامرة ومحاولة انقلابية، إلا أنه أدرك في نهاية المطاف عدم قدرته على التصدي لمقاومة المدنيين الأخيرة. لهذا قرر أن يسلم نفسه أملاً في الحفاظ على حياته، ليتفاجأ بالحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، ومن ثم تولي عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية.
إعدام عبد الكريم قاسم رمياً بالرصاص
رغم مطالبة قاسم بنفيه خارج البلاد، إلا أن مجلس قيادة الثورة في انقلاب 8 فبراير 1963 قرر إعدامه.
وبالفعل تم تنفيذ الحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص في غرفة الموسيقي بمبنى الإذاعة والتليفزيون دجلة في العاصمة بغداد.
يذكر أن عبد السلام عارف لم يشارك في ذلك الانقلاب بطريقة مباشرة.
العراق بين زمن قاسم واليوم
على الرغم من الانقلابات العسكرية العديدة التي قامت على عبد الكريم قاسم، إلا أن إنجازاته كانت في صالح البلد وبالأخص الفقراء والأطفال. ومن بين تلك الإنجازات:
- محاربة الفقر في العراق من خلال بناء المساكن للفلاحين الفقراء التي هاجرت إلى بغداد. من بين تلك المساكن "قرية الثورة" شرق بغداد، والتي سميت بعد ذلك باسم "مدينة صدام"، ثم تحول اسمها إلى "مدينة الصدر" الآن.
- كانت له خطط في زيادة وعي الشعب بأهمية العلم والتعلم، حيث كان يرى أن التعليم هو أساس نهضة الأمم. فقد قام بتشييد عدد كبير جداً من المدارس في جميع أنحاء الجمهورية.
- دعي إلى تحرير المرأة وسن قوانين تضمن حقوق المرأة والتي تتضمن حقها في مشاركة الرجل في الحياة العملية في كافة المجالات.
- ساهم في زيادة الاستثمارات لشركة نفط العراق البريطانية، والتي بموجبها تم اكتشاف العديد من حقول النفط.
- أحدث طفرة ملحوظة في المجال الصحي، حيث قام بتشييد العديد من المستشفيات في أرجاء العراق. بالإضافة إلى، إنشاء أكبر مجمع طبي في العراق يضم مجموعة من مستشفيات الجمهورية في المحافظات جميعها.
- في المجال الرياضي، كان له بصمة رائعة حيث عقدت الاتفاقية الدولية لبناء ملعب الشعب الدولي في عهده والذي يتسع أكثر من ٥٠ ألف متفرج. والجدير بالذكر أنه تم افتتاح الملعب في عهد عبد السلام عارف.
- أصدر الكثير من قرارات العفو عن المحكومين بالإعدام، فقد اتخذ سياسة التسامح والعفو منهجاً لحكم الجمهورية.
لماذا أحب الفقراء عبد الكريم قاسم؟
وكما هو واضح في اتجاهات قاسم نحو تحقيق حياة أفضل للمواطن الفقير، فقد أطلق عليه لقب "أبو الفقراء وقاسم العراق". حيث قام قاسم بمنح العديد من الصلاحيات لابن خالته المقدم فاضل المهداوي بالتنسيق مع أخيه الأكبر حامد قاسم، من أجل توزيع أراضي الإصلاح الزراعي على الفلاحين في المدن والمناطق التي تقطنها الطبقات الفقيرة في جنوب ووسط العراق.
تكريم عبد الكريم قاسم بعد وفاته
بدأ اسم "عبد الكريم قاسم" يظهر من جديد كقائد وطني وزعيم ومؤسس دولة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. وكانت من مظاهر تكريم قاسم ما يلي:
- إقامة تمثال من البرونز بالحجم الطبيعي بتبرعات جماهيرية، حيث وضع في المكان نفسه الذي تعرض فيه قاسم لمحاولة اغتيال فاشلة عام 1959.
- بالإضافة إلى، إقامة النُصب التذكارية والتماثيل في العديد من المدن العراقية، مثل البصرة في ساحة الزعيم عبد الكريم قاسم.
- في 9 فبراير 2015، تيمناً لذكرى يوم اغتيال عبد الكريم قاسم، تم افتتاح متحف الزعيم عبد الكريم قاسم "متحف ثورة 14 تموز" ليضم المقتنيات الشخصية الخاصة بعبد الكريم والهدايا التي تلقاها خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى الأسلحة التي كان يستخدمها ومجموعة من الصور النادرة له.
- تم وضع تمثالين لقاسم داخل قاعة المتحف للنحات خالد الرحال، الأول من البرونز والثاني من المرمر.
- كما انتشرت صوره في الكثير من البيوت والمكاتب والشوارع العراقية، لتكون ضمن أعلى نسب الإقبال والشراء في العراق.
وفي النهاية، نجد أن حياة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم مليئة بالأحداث السياسية التي كان من بينها ثورة 14 تموز وانقلابه على الحكم الملكي، لتنتهي حياته بانقلابات أطاحت بحكمه، تاركاً وصيته للشعب بضرورة عدم التفرقة وأن يكونوا قوة واحدة.
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjIzMyA=
جزيرة ام اند امز