"أبي الحجاج الأقصري".. مسجد بحُلة فرعونية
مسجد يقع في قلب معبد "الأقصر"، وأصبح مقصدا للسائحين، فضلا عن كونه مزارا للآلاف من مريدي القطب الصوفي الشهير "أبي الحجاج الأقصري".
تجربة فريدة من نوعها أن تصلي فوق معبد فرعوني عريق، يحيطك جدرانه من كل اتجاه، في مزج عجيب للحضارة الإسلامية بالحضارة المصرية القديمة..تلك التجربة لن تجدها إلا في مسجد سيدي أبي حجاج الأقصري، الذي دُشن في قلب معبد "الأقصر"، وأصبح مقصدا للسائحين العرب والأجانب، فضلا عن كونه مزارا للآلاف من محبي القطب الصوفي الشهير .
يرجع تاريخ تدشين مسجد أبي الحجاج الأقصري الأثري، ويُطلق عليه "المسجد المعلق"، إلى العصر الأيوبي، وتحديدا عام 1286 (658 هجري)، وهو مُشيّد على الجانب الشمالي الشرقي للمعبد، حيث يستوقف زائري المعبد كونه موجودا في هذا الموقع وكأنه أثر فرعوني.
وقد ذكره ابن بطوطة في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".
"العين الإخبارية" التقت الشيخ حجاج محمد أحمد، إمام المسجد، الذي روى تاريخه، قائلا "إن المسجد شيّده الإمام الصوفي أبو الحجاج الأقصري فوق المعبد، قبل اكتشافه بوضعه الحالي، حيث علت الأرض أبنية المعبد مع مرور الزمن واختفت معظم ملامحه".
وتابع أن "المسجد يتميز بتداخل وتراكم الحضارات المختلفة، فأعمدته هي ذاتها أعمدة المعبد بنقوشها الفرعونية القديمة".
ومعبد الأقصر هو أحد أكبر المعابد المصرية القديمة، ويقع على الضفة الشرقية لنهر النيل في مدينة الأقصر، حيث تأسس سنة 1400 قبل الميلاد، وشُيد لعبادة آمون رع وزوجته موت وابنهما خونسو، في عهد ملوك الأسرة الـ18، والأسرة الـ19.
في حين يرتفع المسجد فوق سطح أرض المعبد بأكثر من 10 أمتار، ومسجل كأثر منذ عام 2007، حيث جرت له عمارات كثيرة في العصور المملوكية والعثمانية والحديثة، ويتميز باحتوائه على أعمدة وأعتاب ونقوش مثيلة للموجودة بمعبد الأقصر.
يقول شيخ المسجد إن "هذه النقوش تم كشفها بالصدفة بعد تعرض المسجد لحريق عام 2006، حيث فوجئ العاملون بالترميم وجود أعمدة أثرية من الطراز الفرعوني مطمورة، وتبين أن هذه الأعمدة جزء من المعبد".
ويضم المسجد مئذنتين، الأولى أثرية تعود إلى عصر أبي الحجاج، وتتكون من ثلاث طبقات؛ والأخرى بُنيت لاحقا بتصميم حديث، كما يضم المسجد محرابين الأول منحوت داخل عامود فرعوني للمعبد تملأه النقوش الفرعونية، والآخر بني عقب الترميم، وهو بسيط الشكل يخلو من الزخارف.
ويحتوي المسجد على مقام لـ"سيدي أبي الحاج"، وكذلك ابن عمه وولديه، وآخر لتلميذه، بالإضافة إلى مقام لسيدة تدعى تريزة، يقال إنها راهبة مسيحية أسلمت وتزوجها أبو الحجاج، وكلها مقابر حقيقة مدفون بها هؤلاء وليست مجرد مشاهد.
يقول الدكتور عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز تراث الصعيد بالأقصر، إن المسجد يعبر عن منظر متفرد في مدينة الأقصر، فهو أقيم فوق أطلال كنيسة قبطية أقيمت فوق معبد فرعوني، فاجتمعت فيها الحضارات الثلاث الفرعونية والمسيحية والإسلامية، في تناسق عجيب، مضيفا "كان الناس قديما يخافون من الإقامة في الأقصر بسبب المعابد الفرعونية، بحكم شائعة كانت تقول إنها مساكن للعفاريت، ومن أجل ذلك قرر أبو الحجاج بناءه".
وعن أبي الحجاج الأقصري، يقول إمام المسجد "هو قطب صوفي بارز معروف بالتقوى وهو عراقي الأصل، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، تفرغ للعبادة والزهد، وسافر إلى مصر حيث استقر بالأقصر، وكان له مجلس علم يقصده الناس من كل مكان، حتى توفي عام 642، ويقال إنه كان كثير الاعتكاف والانعزال بمعبد الأقصر، وربما لهذا السبب أقام مسجده به".
ويتابع: "يقام له مولد (احتفال) في منتصف شهر شعبان من كل عام، تقام فيه حلقات الذكر والقرآن بحضور الآلاف من جميع أنحاء مصر وخارجها، ويخرج الناس إلى ساحة المسجد وشوارع الأقصر ينشدون الأناشيد الدينية".
ويذكر الشيخ حجاج، الذي سمي بذلك تيمنا بالقطب الصوفي حيث ولد في النصف من شعبان، أن أساطير تروى عن كرامات مقام "سيدي أبي حجاج"، منها أن "مسؤولا في عهد سابق أراد هدم المسجد أو نقله لمكان أخر بعيدا عن المعبد، فأصابه الشلل في مكانه ولم يُشفَ حتى تراجع عن فكرته"، واعتبر أن "وجود المسجد في هذا الموقع واستمراره هو لوجود إرادة أكبر من البشر".
وفي جولة داخل المسجد، رصدت "العين الإخبارية" عشرات الرجال والنساء يعتقدون أن الدعاء من المسجد يكون مستجابا، فيما يتواجد عشرات السياح الذين لفت المسجد أنظارهم أثناء زيارتهم لمعبد الأقصر فقرروا اكتشاف معالمه وتاريخه.