عصر التأكد من أن هناك دعما أمريكيا لإسرائيل، (أظنه) قد انتهى منذ زمن بعيد ولا ينبغي لنا الانتظار طويلاً لمعرفة إن كانت الإدارات الأمريكية المختلفة ما زالت تقف بجانب إسرائيل (كدولة ومسؤولين) أما لا، وإلا سنكون كمن يدور في حلقة مفرغة ولا يدرك ما يحصل.
والمطلوب أن يبحث المجتمع الدولي، خاصة العربي، في آليات التأثير والتعامل مع هذا الثنائي المتماسك للتأثير عليه وتغييره وفق الطرق السلمية، خاصة أن السياق الدولي الحاصل الآن يبدو أنه يساعد على "التشكيك" في صلابة تلك العلاقة وإن كان العمل يحتاج إلى جهد كبير.
إن حالة الذعر والخوف التي أصابت الإدارة الأمريكية منذ إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، سعيه لإصدار مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي تفسر قدرة تلك الأساليب المؤثرة في هذه العلاقة وإن كان البعض غير مقتنع بها من منطلق أن المحكمة ليست لديها سلطة على إسرائيل كونها ليست عضواً فيه. ولكن لو فسرنا الغضب الأمريكي سنجده مبرراً لأنها سابقة، وواشنطن تدرك أبعاد هذه السابقة الخطيرة في تعامل القانون الدولي على القادة الإسرائيليين عموماً وليس نتنياهو الذي يبدو أن أيامه باتت قليلة (وفق مؤشرات الوضع الداخلي).
لهذا فإن الاندفاع الأمريكي مبرر في التشكيك بالمحكمة والغضب من تعاطيها مع هذه القضية، التي وصلت إلى قول الرئيس الأمريكي جو بايدن إن المحكمة غير مختصة وليست لها ولاية على قضية ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين المطروحة أمامها. مع أنها نفس المحكمة التي أصدرت مذكرة اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كل الشواهد التاريخية تؤكد على قوة العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية وأهميتها الاستراتيجية، وإذا وجدت خلافات بينهما علينا ألا نبالغ كثيراً في انتظار حصول تحول كبير فيها إلا إذا لم نكن ندرك طبيعة العلاقات بينهما أو على الأقل من ناحية طبيعة إدارة العلاقات الدولية القائمة على المصلحة بشكل عام وأن الخلافات السياسية عندما تحصل فإنها ليست سوى "اختلافات" في طبيعة التعامل المصلحي بينهما وربما هذا يفسر الخلاف بين السياسيين الإسرائيليين حالياً فالخلافات بينهما في كيفية إدارة الحرب وليس في الحفاظ على أمن إسرائيل فهذا الأمر محسوم.
إن إطالة الحرب ضد شعب قطاع غزة (وليس حركة حماس) لم تكن لتصل إلى هذه المدة الطويلة التي قاربت عشرة أشهر لولا الدعم الأمريكي الصريح والواضح، لهذا فمسألة الحديث عن وجود خلاف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تلغي أو تؤثر على الدعم الأمريكي لإسرائيل رغم حدوث الكثير من المتغيرات في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أقلها تغير موقف الرأي العام العالمي تجاه السردية الإسرائيلية وينبغي عدم الرهان كثيراً عليه فالدعم الأمريكي ليس لشخصية نتنياهو بقدر ما هو لدولة إسرائيل.
ومن المعروف أن إسرائيل تتمتع بوضع خاص لدى القوى الكبرى منذ تأسيسها كدولة عام 1948، وتحظى بمكانة خاصة جداً وشديدة التميز لدى الإدارات الأمريكية، لدرجة وصفها بالطفل المُدلل لواشنطن.
الغريب أن يتجاوز الانحياز الأمريكي إلى جانب إسرائيل ليصل إلى حد رفض أحكام وقرارات قضائية، وإهدار قدسية العدالة وحتمية الانصياع إلى القانون، بل تحدت الولايات المتحدة المجتمع الدولي من خلال دعوتها للرئيس نتنياهو بأن يلقي كلمة في الكونغرس الأمريكي في يوليو/تموز المقبل. بل إن الاستثناء الإسرائيلي في السياسة الأمريكية اخترق كل الحواجز، بما فيها المبادئ الأساسية التي يفترض أنها قوام ومرتكز الديمقراطية الأمريكية، بل وجوهر أو فلسفة الحياة في المجتمع الأمريكي الذي يتباهى دائماً بالقيم الأساسية التي تشكّل واستقر واستمر بها، الحرية والعدالة والمساواة.
ويبقى الأثر الأهم في المسألة كلها، أن واشنطن بدأت تناقض نفسها وهي التي تقوض ديمقراطيتها بيديها، من أجل إسرائيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة