لا يمكن مرور ذكرى اتفاق السلام الإبراهيمي، الذي وقّع قبل عامين، دون حديث عن قرار الإمارات الشجاع، ليكون الحوار هو الطريق للسلام العادل، والاقتصاد هو نقطة انطلاقة التنمية والازدهار.
ففي 13 أغسطس 2020 جمعت مكالمة ثلاثية سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، ليخرج القرار التاريخي الذي غيّر المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، لتتزين الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض بعد نحو شهر فقط من المكالمة باتفاق السلام، فكانت بوابة السلام الإماراتية سببًا في إيقاف إسرائيل قرارها لضم ما تبقى من الضفة الغربية، لتفرض دولة الإمارات واقعية سياسية وفق رؤيتها للسلام، والتي غيّرت أدوات المناورة السياسية للملف بين إسرائيل ومختلف الأطراف الفلسطينية، ما جعل جسر السلام متاحًا لانضمام البحرين والمغرب والسودان، وأعطى شعوب المنطقة الأمل الكبير في إحلال السلام والاستقرار.
تزامنت زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، إلى إسرائيل، مع ذكرى مرور عامين على الاتفاق الإبراهيمي، وبعد مرور شهرين من انعقاد القمة الرباعية لمجموعة I2U2، والتي جمعت أربعة اقتصادات قوية، متمثلة في الإمارات وإسرائيل والهند والولايات المتحدة، سينتج عنها شراكات تكاملية ستربط بين الشرق والغرب عبر الشرق الأوسط، ما يعكس نجاح الاستراتيجية الإماراتية، التي تستخدم الاقتصاد كوسيلة لتحقيق الرخاء والتنمية لمواجهة التحديات الأمنية كافة عبر تحويلها إلى فرص للتنمية المستدامة.
تستهدف العلاقة الإماراتية الإسرائيلية الاقتصادية الوصول إلى تبادل تجاري واستثماري غير نفطي يصل إلى 10 مليارات دولار خلال خمسة أعوام، وبمرور عامين على الاتفاق الإبراهيمي وصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى نحو 1407 مليارات دولار خلال عام 2022، لتتجاوز 1221 مليار دولار -حجم التجارة في عام 2021- وهي أرقام تزامنت مع العدد الكبير من مذكرات التفاهم على الأصعدة كافة بين البلدين، كما أسهم الاتفاق الإبراهيمي في التشجيع على ثقافة التسامح والتعايش والتضامن الإنساني بين الشعوب، فقد وصل عدد السياح الإسرائيليين إلى دولة الإمارات خلال عامين إلى 450 ألف سائح، ما شجّع شركات الطيران لإطلاق رحلات إضافية استجابة للطلب المرتفع من المسافرين.
وأسهم اتفاق السلام في تغيير قواعد التعامل مع القضية الفلسطينية عبر التعامل المباشر الواقعي مع الجانب الإسرائيلي، لأنه يشكل جزءا رئيسيا من المنطقة، فلم تعد للسياسة التقليدية، التي تُقصي إسرائيل، أي جدوى، مع تطورات الأحداث في المنطقة، ما يعكس توازن السياسة الإماراتية، التي تؤمن بأن السلام الشامل هو السبيل الوحيد لحلحلة الصراع، وأن طريق السلام ودعم الإمارات للقضية الفلسطينية هما مساران يكملان بعضهما.. تؤكد ذلك مواقفُ الإمارات الواضحة تجاه مختلف الأحداث في القدس وقطاع غزة، إذ ساندت الإمارات الشعب الفلسطيني عبر مواقف قوية وفعالة، ما عكس مسارًا جديدًا لدعم الشعب الفلسطيني بشكل مؤثر، وقطع الطريق على الجماعات المسلحة، التي تنتهز التصعيد لتحقيق أجندات مشبوهة، في دلالة على أن السلام لن يكون على حساب الشعب الفلسطيني، بل على النقيض، سيعود بالفائدة عليه.
لقد نجحت استراتيجية التسامح الإماراتية، التي جعلت دولة الإمارات "صانعة للسلام" وجسرًا آمنًا لبناء الشراكات، فمنطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى التركيز على الاستثمار في الإنسان، ما سيصب في صالح التنمية والازدهار، مع التخلي عن لغة الحرب وثقافة الكراهية والتطرف.
لذلك، كانت اتفاقيات السلام الإبراهيمية أحد أهم القرارات الاستراتيجية، التي شهدتها المنطقة، والتي نجحت خلال عامين فقط في خفض التوترات، وجعلت المنطقة أكثر واقعية في التعامل مع التحديات، كما وضعت إطارًا إقليميا حديثا، مبنيا على الحوار نحو منطقة آمنة ومستقرة ومزدهرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة