شهدت دولة الإمارات افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية"، كنموذج فريد للأخوة الإنسانية ومنارة تعايش بين الأديان، في تزامن رمزي وذكرى "الإسراء والمعراج" للنبي محمد واجتماعه بأصحاب الرسالات السماوية عليهم السلام.
وتقود دولة الإمارات مشروعا نبيل التوجه سيشكل تأثيرا في القيم العالمية، عبر غرس مفاهيم التسامح والتعايش في مبادرة مبتكرة، تضع "الكنيسة والمسجد والكنيس" في معلم عصري مشترك للمرة الأولى عبر التاريخ، ليشكل مجتمعا حضاريا بين الأديان السماوية الثلاثة، للتواصل والحوار بعيدا عن ثقافة إقصاء الآخر، في ظل أوقات صعبة يمر بها العالم من تحولات في النظام الدولي إثر الحروب والأزمات.
وقد استطاع التوجه الإماراتي التأثير في القرار الدولي بوضع قيم التعايش السلمي في صدارة التوجهات العالمية، منذ توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية" في العاصمة أبوظبي عام 2019، بحضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وقداسة البابا فرنسيس، وصولا إلى توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بتشييد مَعلَم يطلق عليه "بيت العائلة الإبراهيمية" في جزيرة السعديات، والذي ترجم الخطوات الإماراتية إلى واقع ملموس.
هنا أستذكر زيارتي لمجلس معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، والذي شرّفني بإهدائي كتابه بعنوان "وثيقة الأخوة الإنسانية.. نحو تعايش سلمي وعالم خالٍ من الصراعات"، وأستشهد هنا بما جاء في فصله الخامس عن جهود دولة الإمارات:
"إقرار الأمم المتحدة لها -للوثيقة- كيوم عالمي لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء كثمرة مستحقة لدور إماراتي مخلص ومصحوب بنُبل القصد وحُسن النية، في المجال الإنساني على مدار فترة طويلة من الزمن".
إنسانية دولة الإمارات لا تعرف التمييز بين الشعوب والأعراق والأديان، فقد سطرت نماذج مشرفة في الإغاثة الإنسانية، ولعل المساعدات الإماراتية خلال أصعب الأوقات في جائحة كورونا، والزلزال المدمر الذي ضرب مناطق بسوريا وتركيا، تعد أبلغ دليل على مصداقية مسارات الأخوة الإنسانية التي تقودها دولة الإمارات على المستويين الإقليمي والدولي.
الشعوب بطبيعتها محبة للسلام والتسامح، فيما هناك تيار رافض للخروج من دوامة التطرف الفكري، الذي يستغل الدين ويوظفه لصالح أجندات مشبوهة، لذا تم -عن قصد وسوء نية- تسييس المبادرة الإماراتية لإنشاء "بيت العائلة الإبراهيمية" عبر ترويج أكاذيب ما يسمى بـ"الدين الإبراهيمي"، في حملة ممنهجة ومنظمة لتشويه صورة دولة الإمارات، التي بدورها منشغلة بتنميتها وازدهارها ورسالتها الصادقة والواضحة لدول العالم كافة.
فقد حاول المغرضون ربط مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية" بفكرة دمج الأديان السماوية الثلاثة في دين واحد أسموه هم "الدين الإبراهيمي"، وهي كذبة حاول أصحاب الفكر المتطرف ترويجها، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان الإرهابي، ولن يصدقها إلا مَن تأثر بأيديولوجية الإخوان، الذين استغلوا الدين كأداة هدم للمجتمعات لتحقيق مآربهم السياسية، أو مَن يجهل حقيقة المشروع المرتبط بالتسامح بين الأديان الثلاثة، وتسرَّع في إطلاق الأحكام المشوّهة، في افتراء كبير على دولة الإمارات، التي لا تتخلّى عن مبادئها وقيمها الثابتة، والإسلام هو دينها الرسمي بحسب الدستور.
نعيش في عالم متعدد ومتنوع، ويعيش في دولة الإمارات أبناء أكثر من 200 جنسية، في بيئة تحترم الآخر وتقدره، ما يعكس القيم الإماراتية الراسخة في التعايش السلمي، والتي بُنيت على أساس متين منذ عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وهي مفاهيم سامية لا تتناسب مع ازدواجية معايير تنظيم إرهابي كالإخوان، الذي يدعم المثلية الجنسية في الغرب لتحقيق مكاسب شخصية، ثم يختطف عقول شباب المنطقة العربية، بمفاهيم أيديولوجية متطرفة لتمزيق الأمة.
سيُسهم "البيت الإبراهيمي" بالتأثير على الرموز الدينية وصناع القرار في العالم، لمضاعفة العمل على ترسيخ قيم الوسطية والحوار بين الأديان، والتركيز على المشتركات وترك الاختلافات، مع مراعاة خصوصية كل دين، ما سيؤدي إلى خلق رغبة أكبر في العيش بسلام بين الشعوب، وهي معاني مؤثرة أوصت بها الأديان السماوية لتحقيق السلام العالمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة