بإعلان السفيرة السابقة نيكي هايلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة، الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية أمام دونالد ترامب، تكون الأوضاع داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري بدأت مسعى التغيير لكسر الجمود داخل مؤسسة الرئاسة الأمريكية.
يشير الواقع السياسي إلى أن الحزبين بالفعل في حاجة إلى تغيير هيكلي، وتقديم الكوادر الصاعدة، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال - بصرف النظر عن الحزب الذي يحكم- على رأس النظام الدولي، ولن تتراجع لسنوات قادمة حتى في ظل حديث عن عالم متعدد الأقطاب بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني.
وأيا كانت ارتدادات الحرب في أوكرانيا ستكون مرتبطة بالتعامل المستقبلي داخل مؤسسات النظام الفيدرالي الأمريكي، وليس موقع الرئيس فقط، ما يعني تجاوز مفهوم الحزبية، في ظل استمرار تعرض الولايات المتحدة لتهديدات حقيقية ومنافسات عاتية يعبّر عنها صعود الصين "المزعج" بحسب الرؤية الأمريكية، فقد اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الصين هي "الخصم" في استراتيجية الدفاع الأمريكية، ومن ثم فإن الولايات المتحدة تمضي في سياق محدد ومباشر مغزاه أن السياسة الصينية "خطر كبير" على الأمن القومي الأمريكي.
لذا تتحرك الولايات المتحدة من الداخل بحثا عن التغيير المنشود، وإعادة ترتيب الأوراق والحسابات، انطلاقا من العمل على تغيير الرؤية، ومن ثم فإن ما يجري داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي يشير إلى أن قيادات الحزبين -خاصة جيل الوسط- يعمل في هذا التوجه والثورة على الثوابت التي تدفع الحزب الجمهوري إلى إعادة الدفع بمرشحين لتجاوز ترامب، والذي ما زال ممسكا برغبته في الترشح، ولا يمنعه أحد ما لم تُصدر المحكمة العليا الفيدرالية قرار إدانة نهائيا بشأنه، وهو أمر وارد، ومن ثم تصبح الإشكالية في منع ترامب قائمة، لكن المشكلة الأكبر، التي ستطرح نفسها، تتمثل في التيار الشعبوي، الذي يعبر عنه ترامب في الشارع الأمريكي، والذي ما زال موجودا، ويعبر عن الصعود اليميني في الحلبة السياسية، وسيكون له دوره في المراحل الأولى للانتخابات الرئاسية، وسيكون على أي مرشح جمهوري، سواء من حكام الولايات أو من المستقلين، مراعاة هذا التيار القوي، والذي سيمثل تحديا لأي مرشح محتمل، ومن ثم فإن ترشيح السفيرة هايلي وآخرين محتملين سيكون المعيار لترشح آخرين من قيادات جيل الوسط، والذين لا يريدون للولايات المتحدة البقاء في دائرة ترامب، إذ تتخوف مؤسسات النظام الفيدرالي ومؤسسات القوة الأمريكية من عودة حالة عدم الانضباط للداخل الأمريكي، واحتمالات تزايد معدلات العنف والإرهاب، الأمر الذي يمس نموذج الحكم الفيدرالي القائم على فكرة الليبرالية، ومن ثم فإن الولايات المتحدة، كدولة مؤسسات، ستظل تتخوف من عودة اليمين المتطرف للواجهة، بعد أن نجحت مؤسسات القوة في الدفع بالرئيس جو بايدن، السياسي المخضرم، لخوض الانتخابات، ودخوله البيت الأبيض، وإعادة هيبة الولايات المتحدة في العالم، وهو ما عبّر عنه بايدن بالفعل في خطاب الاتحاد بأن الديمقراطية الأمريكية "قوية وقائمة".
إن ترشح منافسين أمام ترامب في حزبه سيستهدف العمل على إحداث التغيير المنشود باعتبار أن تحدي ترامب سيؤثر في المصالح العليا للأمة الأمريكية، وسيعيد للعالم واقعة اقتحام الكونغرس، وسيجر أمريكا لمخاطر حقيقية في وقت تستهدف دول معادية ضرب المصالح العليا لها، وبالتالي فإن قادة الحزب الجمهوري يرون العمل، ليس على إجراء تغيير في الحزب بتصعيد جيل جديد، ولكن بالدفع برئيس جديد، وهذا التغيير سيكون ساحة تجاذب عام، ولن يقتصر على الحزب الجمهوري، خاصة في وجود مجموعة الصقور، التي تعمل على نقل خطاب التغيير من كونه يجري داخل الحزب الجمهوري إلى حالة عامة تشمل الأمة الأمريكية، انطلاقا من أن الولايات المتحدة جديرة بقادة جدد ورئيس موهوب قادر على "منازلة" التحديات الصينية و"التمرد" الروسي، والتباينات الأوروبية مع السياسات الأمريكية إقليميا وعالميا.
اللافت أن دعوة التغيير داخل الحزب الجمهوري تتشابه مع يجري داخل الحزب الديمقراطي، بوجود تيار صاعد يدعو لرفض ترشح الرئيس جو بايدن، باعتباره "لم يعد مؤهلا للحكم بسبب تقدمه في السن"، ولهبوط شعبيته، وأن الدفع بمرشحين آخرين يجب أن يكون له الأولوية، ومن ثم فإن دعوة التغيير الكبيرة، التي باتت محور النقاش الحزبي في الولايات المتحدة، تجد آذانا صاغية ومؤثرة، وأن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في ظل ما يجري من استعدادات لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وتراقبها المؤسسات الفيدرالية وترصد حركتها الحزبية بالفعل، في ظل مُناخ تعددي قائم على أن الظرف الدولي يتطلب تغييراتٍ حقيقية في مؤسسات الرئاسة الأمريكية، خاصة أن صلاحيات الرئيس ضخمة، ولا توجد قيود كثيرة في ممارساته السياسية داخليا وخارجيا.
في المجمل، فإن دعوات التغيير داخل الحزبين الأمريكيين الكبيرين قائمة، وستتصاعد في الفترة المقبلة، بل ستمتد للدفع بقيادات مختلفة، إنقاذا للأمة الأمريكية من حالة الركود، التي باتت تعلن عن نفسها، وتحتاج إلى مراجعات تنتصر للقيم الأمريكية العليا، وتصون النموذج الأمريكي من أي عبث من مجموعة هواة، وفي توقيت حاسم ومفصلي تواجهه الولايات المتحدة من قوى تسعى لتصدير الأزمة الدائمة عن النموذج الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة