دخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عامها الثاني، مخلّفة دمارا هائلا في البنية التحتية لأوكرانيا، وآلاف الضحايا من جيشَي البلدين.
ولعل ما يثير الأسف والخوف معا، هو أنه رغم هذه الخسائر الكبيرة، لا يوجد إلى الآن أي مؤشر يوحي بأفق سياسي لحل هذه الأزمة دبلوماسيا، خاصة بعد أن تحولت إلى حرب غير معلنة بين حلف شمال الأطلسي "الناتو" وروسيا.
المعطيات القائمة تشي بفصول من التصعيد، الذي قد يدفع بالأمور إلى حافَة الهاوية، وتوسيع رقعة المواجهة، ما دامت كل من روسيا والولايات المتحدة تتمسكان بمواقفهما المتشددة، وسط سعي كل طرف إلى تحقيق انتصار في هذه الحرب، وربما التطلع إلى تغيير الخريطة السياسية للعالم بها.
خلال عام من عمرها، شهدت الأزمة تحولات كبيرة، فبعد التوقعات بعملية عسكرية روسية سريعة تحسم الصراع مع أوكرانيا عسكريا، خاصة بعد التقدم الروسي باتجاه العاصمة كييف في الأيام الأولى للعملية، تحول مسار الأمور بعد أسابيع قليلة من اندلاعها إلى ما يشبه حرب المقاطعات، لا سيما مع تحول الجيش الأوكراني إلى استراتيجية حرب المدن، ما دفع روسيا إلى تعزيز نفوذها في المقاطعات التي سيطرت عليها، واتخذت خطوات لتعزيز هذا النفوذ، وعلى هذا الأساس ضمت المقاطعات الأربع، بعد إجراء استفتاء فيها، لكن كل ذلك لم يمنع الجانب الأوكراني من محاولة استعادة هذه المقاطعات، لا سيما خيرسون، وهو ما دفع الجانب الروسي إلى تكثيف وتيرة استهدافه البنية التحتية الأوكرانية، خاصة قطاع الكهرباء والطاقة، ما أدى إلى إغراق معظم أوكرانيا في الظلام.
وعلى وقع كل ما سبق طالت تداعيات الأزمة مناطق واسعة من العالم، وباتت تاثيراتها أقرب إلى حرب عالمية، فأوروبا بدت أمام تحدي النقص الشديد في الطاقة، ومناطق واسعة من آسيا وأفريقيا أمام أزمة قمح وحبوب، فيما شهدت اقتصادات العديد من الدول نسبا غير مسبوقة من التضخم، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطبية عالميا.
من تحولات الأزمة أيضا، انتقال حلف الناتو بشكل تدريجي إلى استراتيجية الدعم العسكري المفتوح لأوكرانيا، فبعد أن كان هذا الدعم يقتصر على الأسلحة الدفاعية، لا سيما الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، تحوّل إلى الأسلحة الثقيلة، خاصة مدافع هيمارس، ومؤخرا الحديث عن دبابات ليوبارد وإبرامز وتشالنجر.. وسط حديث عن إمكانية مدها بطائرات إف 16 على وقع الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى كييف، وهي زيارة حملت رسائل عديدة، يمكن تلخيصها في واحدة، مفادها مضي واشنطن في دعمها لأوكرانيا حتى النهاية، ما سيعقد الأمور أكثر، خاصة أن مثل هذه الأسلحة قد تعني انتقال أوكرانيا إلى استراتيجية الهجوم، لا سيما في ظل دعوة واشنطن كييف إلى تحريك جبهة شبه جزيرة القرم، ما قد يدفع موسكو إلى استخدام أسلحة نوعية، في ظل تهديداتها الدائمة باستخدام أسلحة نووية تكتيكية لردع أي تهديد لأمنها القومي، وسط حديث عن إعدادها لهجوم كبير تحت عنوان "هجوم الربيع" تزامنا مع الذكرى السنوية لبدء عمليتها العسكرية.
في السياسة بقيت شروط كييف وموسكو متناقضة وبعيدة عن أي نقطة يمكن من خلالها بدء حوار جدي لحل الأزمة، فكييف تطالب روسيا بالخروج من الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة قرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، بل ذهبت بعيدا عندما ربطت هذه الحرب بإلحاق الهزيمة ببوتين وتصوير المعركة على أنها "من أجل الحرية"، فيما ظلت موسكو على شروطها القديمة-الجديدة، التي تتلخص في عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وبقاء أوكرانيا دولة محايدة، وألا تصبح دولة نووية، والاعتراف بحق روسيا في الأراضي التي ضمتها، لا سيما شبه جزيرة القرم، لكن أبعد من تناقض مواقف الطرفين ثمة سؤال كبير عن أسباب غياب أي مبادرة دولية لحل هذه الأزمة سياسيا حتى الآن.. لماذا لم يطرح الغرب أو الأمم المتحدة حتى الآن أي مبادرة حقيقية للحل؟ وإلى أي حد سيذهب الغرب في هدم الجسور مع روسيا.. وهل يستعد لمواجهة مع روسيا من خلال مواصلة مد أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة؟ وماذا لو لجأت روسيا إلى تنفيذ تهديداتها باستخدام أسلحة نووية إذا وجدت نفسها مهددة؟
تساؤلات تُطرح بقوة في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية الأطلسية، ووصول الأزمة إلى حافَة الهاوية، في وقت يبدو العالم أحوج إلى السلام أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أن الحرب الجارية باتت عالمية من حيث التأثير والتداعيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة