شاهدت، كغيري، حزينًا، معاناة منتخب مصر للشباب في بطولة كأس أمم أفريقيا تحت 20 عامًا، والتي بات قريبًا من وداعها مبكرًا، رغم استضافته إياها على أرضه.
منتخب مصر للشباب سقط في فخ التعادل في المباراة الأولى، قبل أن يخسر في المباراة الثانية من نيجيريا، قبل مواجهة السنغال الحاسمة في الجولة الثالثة.
ورغم هذه النتائج الكارثية، فمنتخب مصر للشباب لا يزال يمتلك فرصته في التأهل للدور ربع النهائي، غير أن ذلك، إنْ حدث، وأشك في حدوثه، فلن يكون مُطمئنًا، فبهذه المستويات من الواضح أن الهزيمة حتمية في ربع النهائي، الدور الذي يجب الفوز فيه للتأهل لمونديال الشباب، الهدف الأهم من البطولة.
أسئلة كثيرة تدور في أذهان المشجعين والمحبين، أبرزها وأهمها: مَن المسؤول عن هذه المهزلة، التي عاشتها الكرة المصرية على ملعب استاد القاهرة الدولي طوال 180 دقيقة؟
ويبدو أن الكثيرين قد وجدوا الإجابة قبل حتى التفكير في طرح السؤال.
منذ نهاية المباراة، نزلت السكاكين لتذبح في شخص الكابتن محمود جابر، المدير الفني لمنتخب مصر للشباب، وتتهمه بأنه "لا يعمل في منصبه سوى لأنه والد عمر جابر"، لاعب الزمالك، صديق محمد صلاح، قائد منتخب مصر الأول ونجم ليفربول الإنجليزي، بتحول الحديث من فني إلى شخصي، وتحول الهجوم من انتقاد إلى طعن، بلا أدنى درجات الرحمة.
الغريب أن هذا الهجوم لم يأتِ فقط من قبل الجماهير، ولا النقاد والمحللين، وإنما جاء من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم، الذي كان يعمل مع محمود جابر لأكثر من عام منذ تعيينه استعدادا لهذه البطولة المهمة.
ولا عجب من هجوم الاتحاد، فهو نفسه الذي هاجم أعضاؤه البرتغالي كارلوس كيروش عندما كان مديرا فنيا لمنتخب مصر عقب الهزيمة في أولى مباريات كأس أمم أفريقيا 2022 من نيجيريا، تبرؤوا من تعيينه وأبدوا رغبتهم في إقالته، فلما وصل "الفراعنة" إلى النهائي سحبوا كلامهم وطاروا بالمدرب، وحاول كل منهم نسبة النجاح إلى نفسه!
لا أُعفي محمود جابر من المسؤولية، ولكن من الظلم البيّن أن يتم ذبح شخص واحد وجعله كبش فداء لمنظومة كاملة أدمنت الفشل، ولم تتقدم إلا لسنوات قليلة لعوامل فردية استثنائية، لم يكن من بينها التخطيط بعيد المدى ولا قريبه.
محمود جابر لم يكن هو مَن عيّن نفسه مديرا فنيا لمنتخب الشباب، ولا هو مَن راقب نفسه على مدار عام كامل، ولا هو مَن جعل اختيار مدربي القطاعات السِّنية في مختلف الأندية قائما على المجاملة والمحسوبية، أو قل إنه عشوائي لا يقوم على أي أسس علمية في أحسن الأحوال، وليس هو مَن جعل اختيار اللاعبين في هذه القطاعات قائما على المعايير نفسها.
ليس محمود جابر هو من قام بتعيين خافيير أجيري لبناء جيل جديد للكرة المصرية في كأس العالم 2018، فلما نُقلت بطولة كأس أمم أفريقيا 2019 إلى مصر طُلب منه أن يغير خططه في أشهر قليلة إلى الفوز بالبطولة، فلما فشل أُقيل، أُقيل لأنه لم يحقق ما لم يتم الاتفاق عليه معه عند توقيع العقود.
أُقيل أجيري وجيء بمدرب جديد لا هدف مُحدد له، لم يأت إلا لكونه مصريًّا، ولماذا يجب أن يكون المدرب مصريا؟ رئيس اتحاد الكرة نفسه في ذلك الحين لم يتمكن من الإجابة عن هذا السؤال، حتى أُقيل حسام البدري أيضًا بلا سبب واضح، وهكذا من خلفه، حتى تعاقب على تدريب منتخب مصر بين نسختين فقط من كأس العالم 5 مدربين.
محمود جابر عضو في منظومة، منظومة رياضية فشلت من كبيرها إلى صغيرها، فإن كان لا بد من حسابه، فليُحاسب معه من فشلوا مثله، وإلا فالمساواة في الظلم عدل، ومن الظُلم أن يكون الجيل القادم لمنتخب مصر، بطل أفريقيا 7 مرات، تحت رحمة هذه المنظومة.
دعني أختم لك بنُكتة اليوم، نكتة حقيقية وليست مُتخيَّلة كأكثر النكات، فهذا مسؤول في أحد الأندية الكبرى، يهاجم محمود جابر بعد الهزيمة من نيجيريا، لا للهزيمة، ولا لسوء مستوى المنتخب، ولا لسوء إدارته للمباراة، ولكن لأنه رفض نقل بطولة أفريقيا للشباب من استاد القاهرة إلى ملعب آخر، ليتمكن هذا النادي من لعب مبارياته الأفريقية عليه.
نعم يا صديقي، هذا المسؤول قال بشكل شبه صريح إن ناديه "أهم من المنتخب"، وهو ما لم يكن يجرؤ على قوله في السابق، وإن كان يعتقد ذلك بالفعل، ولكنه تجرّأ وقالها، لا لشيء إلا لأن مدربًا يتعرض لحملة قوية تُريد أن تحمّله وحده مسؤولية فشل منظومة كاملة على مدار سنوات طويلة، ولكن لا عجب، بل العجب كل العجب إنْ لم يحدث هذا في زمان أصبح فيه للفشل وجوه كثيرة من بينها التباهي بالفشل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة