تمثلت خطورة محمد عبدالسلام فرج في كتابه "الفريضة الغائبة"، فقد كان تيار الجهاد في مصر قبل كتابه يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهي
خطورة أي فكر إرهابي متطرف هي قابلية هذا الفكر لأن يتحول إلى فعل. الأفكار الأكثر خطورة هي التي تحولت بالفعل إلى تنظيمات إرهابية نتجت عنها أفعال تدميرية.
أشرت في المقال السابق إلى فكر "صالح سرية" الفلسطيني المولد العراقي النشأة، هذا الفكر الذي تجسد في كتابه "رسالة الإيمان" الذي صدر عام 1973، وحمل المواد الخام للأفكار المتفجرة التي تحولت إلى تنظيم إرهابي عام 1974، هو تنظيم "الفنية العسكرية" نسبة الى المبنى الذي تمت محاصرته، ليكون منطلقا للانقلاب ضد الرئيس السادات.
في هذا المقال سأتحدث عن نموذج آخر لهذه الأفكار التي تحولت إلى أفعال إرهابية امتد أثرها حتى بعد إعدام أصحابها، وهو فكر محمد عبدالسلام فرج الذي تجلى في كتابه "الفريضة الغائبة"، هذا الكتاب الذي اعتبر ديناميت لكثير من البلاء الذي حدث وما زال يحدث.
قبل الحديث عن محمد عبدالسلام فرج، سأعود إلى فكرة السياق الزمني والتاريخي التي دائما ما أستند عليها في تحليل، هذا السياق شديد الأهمية لأسباب كثيرة، لأن هناك الكثير من الظروف التي تواكبت وشكلت بيئة خصبة نبتت فيها أفكار محمد عبدالسلام فرج، هذه السياق خرج من تلك البحبوحة التي عاشتها الجماعة الإسلامية الطلابية في الجامعات المصرية ضمن ما تحدثت عنه سابقا "الصفقة بين السادات وبين الإخوان لمواجهة التيارات اليسارية والناصرية".
تمثلت خطورة محمد عبدالسلام فرج في كتابه "الفريضة الغائبة" فقد كان تيار الجهاد في مصر قبل كتابه يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهي الذي يتناقله أعضاء الجهاد مع الاستعانة بأجزاء من كتب فقه وتفسير وغيرهما مثل فتوى "ابن تيمية" عن أهل ماردين
خطورة أي فكر إرهابي متطرف هي قابلية هذا الفكر لأن يتحول إلى فعل. الأفكار الأكثر خطورة هي التي تحولت بالفعل إلى تنظيمات إرهابية نتجت عنها أفعال تدميرية.
أشرت في المقال السابق إلى فكر "صالح سرية" الفلسطيني المولد العراقي النشأة، هذا الفكر الذي تجسد في كتابه "رسالة الإيمان" الذي صدر عام 1973، وحمل المواد الخام للأفكار المتفجرة التي تحولت إلى تنظيم إرهابي عام 1974، هو تنظيم "الفنية العسكرية" نسبة الى المبنى الذي تمت محاصرته، ليكون منطلقا للانقلاب ضد الرئيس السادات.
في هذا المقال سأتحدث عن نموذج آخر لهذه الأفكار التي تحولت إلى أفعال إرهابية امتد أثرها حتى بعد إعدام أصحابها، وهو فكر محمد عبدالسلام فرج الذي تجلى في كتابه "الفريضة الغائبة"، هذا الكتاب الذي اعتبر ديناميت لكثير من البلاء الذي حدث وما زال يحدث.
قبل الحديث عن محمد عبدالسلام فرج، سأعود إلى فكرة السياق الزمني والتاريخي التي دائما ما أستند عليها في تحليل، هذا السياق شديد الأهمية لأسباب كثيرة، لأن هناك الكثير من الظروف التي تواكبت وشكلت بيئة خصبة نبتت فيها أفكار محمد عبدالسلام فرج، هذه السياق خرج من تلك البحبوحة التي عاشتها الجماعة الإسلامية الطلابية في الجامعات المصرية ضمن ما تحدثت عنه سابقا "الصفقة بين السادات وبين الإخوان لمواجهة التيارات اليسارية والناصرية".
تمثلت خطورة محمد عبدالسلام فرج في كتابه "الفريضة الغائبة" فقد كان تيار الجهاد في مصر قبل كتابه يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهي الذي يتناقله أعضاء الجهاد مع الاستعانة بأجزاء من كتب فقه وتفسير وغيرهما مثل فتوى "ابن تيمية" عن أهل ماردين
من داخل هذه الجماعة الإسلامية خرجت جماعات كثيرة متنوعة منها "المدرسة السلفية" التي أصبحت "الدعوة السلفية" فيما بعد، وكانت الإسكندرية هي بيئة تحركها، ومنها "شباب الأزهر" التي أسسها د. عبدالله إسماعيل الذي يملك الآن "الريف الأوروبي" على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وأيضا الجيل الإخواني الشاب في الجماعة "وهم عبدالمنعم أبوالفتوح، وعصام العريان، ومحمد البلتاجي، وحلمي الجزار"، ثم تأتي "الجماعة الإسلامية" بقيادة "كرم زهدي، وناجح إبراهيم" التي أصرت على الاحتفاظ بالاسم مع تغيير المنهج، من الدعوى إلى الجهاد العنيف، إذ اتخذت أدبيات السلفية الجهادية العنيفة منهجا لها، وظلت تراوح مكانها حتى التقى بنزين الجماعة الإسلامية مع نار أفكار محمد عبدالسلام فرج.
وهنا سأروي ما قاله لي شخصيا الشيخ كرم زهدي مؤسس الجماعة وقائدها، وما قاله أيضا د. ناجح إبراهيم الذي كان مسئولا عن الجماعة في الصعيد، ولقد تم توثيق ما قالاه لي في سلسلة وثائقية عرضت على قناة "العربية" في خمسة أفلام وثائقية، مدة كل فيلم ساعة تلفزيونية، ثم أصدرت العمل كله في كتاب بعنوان "سلفيو مصر" صدر في يناير/كانون الثاني 2019 عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة.
يقول كرم زهدي: "انصب عملنا طوال الوقت على محاربة الرذيلة والأغاني والرقص، كنا نؤكد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المقاهي وغيرها من الأماكن العامة، لم نكن نفكر أبدا في مقاتلة الحاكم أو الخروج عليه حتى ذهبت إلى القاهرة للتحقيق معي في بعض القضايا الطائفية، وهناك طلب مني أحد الأصدقاء أن أذهب معه لمقابلة صديق له، وافقت وذهبت معه فعلا وكان هذا الرجل هو "محمد عبدالسلام فرج".
كما قال أيضاً: "بدأ يعرض لي أفكاره التي رصدها في كتابه "الفريضة الغائبة" وقال لي: "نحن نبحث عن فقه الصوم حين يأتي شهر رمضان، ونبحث عن فقه الحج في موسم الحج، وفقه الزكاة حين نريد إخراجها ولكن هل هناك من يبحث عن فقه الجهاد".
وأكمل "إنه الفريضة الغائبة، اقتنعت بكل ما قاله وأخذت تلك الأفكار إلى الأخوة في الجماعة: عصام دربالة، عاصم عبدالماجد، وقررنا إنشاء ذراع عسكرية للجماعة، كان الشيخ ناجح إبراهيم وقتها هو أمير الجماعة في أسيوط والمدينة الجامعية، وقررنا جميعا فيما يشبه البيعة أن ندعم إعادة فريضة الجهاد، اخترنا الشيخ عمر عبدالرحمن أميرا ومرشدا عاما للجماعة، وتم تأسيس الجناح العسكري، كان ثقله في الصعيد بعد أن ارتأينا أن نضم مجموعة محمد عبدالسلام فرج التي أسسها في القاهرة، وكان بها عبود الزمر الذي كان ضابطا وقتها في الجيش، وكان موقفه شديد الحساسية".
وأوضح خلال المقابلة "أنهم اتخذوا كتاب "الفريضة الغائبة" منهجا فقهيا وفكريا، وإذا التبس علينا أمر لجأنا إلى الشيخ عمر عبد الرحمن لأخذ فتواه، تناقشنا وتجادلنا كثيرا حولة فكرة الخروج على الحاكم وقتله ولجأنا إلى "الشيخ الألباني" و"الشيخ أبوكر الجزائري"، أرسلنا إليهما طلبا للفتوى، فلم يردا علينا نهائيا".
نجح "محمد عبدالسلام فرج" في إقناع الجميع بأفكاره التي تجسدت فيما بعد في خطة قتل الرئيس السادات، لا أنسى حين اجتمعنا "عبود الزمر، عاصم عبدالماجد، خالد الإسلامبولي" واتخذنا القرار وتفاصيل التنفيذ، وفعلا نجحت الخطة وقتل السادات بالكيفية التي يعلمها الجميع.
"محمد عبدالسلام فرج" الذي ولد 1952 وتم إعدامه في قضية اغتيال الرئيس السادات عام 1982، هو واحد من أبناء جيل السبعينيات الذين تشربوا أفكار التطرف من سيد قطب، وتتلمذوا على يد "صالح سرية ومحمد سالم رحال، وشكري مصطفى"، هضموا تلك الأفكار الإرهابية، وزادوا عليها من قريحتهم، فتمخضت مسخا من الموت البشع في "الفريضة الغائبة" و"رسالة الإيمان" وغيرهما. تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وعمل خطيبا في أحد المساجد الصغيرة التي كانت أسفل البناية التي يسكن بها .
تمثلت خطورة "محمد عبدالسلام فرج" في كتابه "الفريضة الغائبة" فقد كان تيار الجهاد في مصر قبل كتابه يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهي الذي يتناقله أعضاء الجهاد، مع الاستعانة بأجزاء من كتب فقه وتفسير وغيرهما، مثل فتوى "ابن تيمية" عن أهل ماردين "وتفسير ابن كثير" لآية "أفحكم الجاهلية يبغون"، وكلامه في كتابه "البداية والنهاية" عن التتار وحكمهم، وكذلك تفسير سيد قطب لآيات الحكم، والمجلد 28 من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" وكتاب "الشفا للقاضي عياض، وكتابا "الإيمان الكبير والصارم المسلول لابن تيمية".
كان أعضاء الجهاد يقومون من حين لآخر بتصوير أو طباعة كميات من هذه الأجزاء التي يحتاجونها من كتب "ابن تيمية" و"ابن كثير" و"سيد قطب" وغيرهم للاستدلال على أفكارهم، ثم يقومون بتوزيعها إلى أن جاء "محمد عبد السلام" فجمع كل أفكار الجهاد الشفهية وضم إليها كل أقوال العلماء التي يستدل بها الجهاديون، وصاغها صياغة متكاملة نسبياً بمقاييس الفكر الجهادي في ذلك الوقت.
الكارثة الكبرى في أفكار "محمد عبدالسلام فرج" أنها ظلت تتفجر حتى نهاية التسعينيات، أي بعد مقتله بما يقارب العشرين عاما، وتمثل ذلك جليا في مجزرة الأقصر التي ارتكبتها جماعته عام 1997.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة