الحكم المطلق أو السلطة المطلقة في أي مكان في العالم بقدر ما هي مفسدة مطلقة فإنها تقلص خيارات المجتمع
في كل عام تقوم جمعية ألمانية معنية باللغة الألمانية باختيار وفرز (الكلمة الأسوأ) المستخدمة في ذلك العام، أي الكلمة أو المصطلح، الأكثر استعمالاً وترديداً على ألسنة الساسة والنخب الرئيسية.
الحكم المطلق أو السلطة المطلقة في أي مكان في العالم بقدر ما هي مفسدة مطلقة فإنها تقلص خيارات المجتمع، وحينما يكون الشأن السياسي وغيره من الشؤون موضوعاً للنقاش العام يصبح الحيز مفتوحاً للتفكر في البدائل والخيارات الضرورية
واختارت تلك الجمعية الألمانية، قبل سنوات، مصطلحاً معناه بالألمانية «بدون خيار بديل»، وهو مصطلح استخدمه ساسة ألمان لتبرير ما يرغبون القيام به، وإصرارهم على عدم ضرورة إثارة نقاش حول خيارات أخرى بديلة، والمدهش في هذا الموضوع قيام حزب صغير ناشئ باختيار مصطلح «حزب البديل من أجل ألمانيا» اسماً لهذا الحزب، وهو حزب شعبوي يشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي، ويرى أن ألمانيا تزداد هرماً وشيخوخة، رغم ازدهارها الاقتصادي، ومن ثم في رأيه يتوجب على ألمانيا البحث عن خيارات أخرى بديلة.
ومثل هذا الحزب الشعبوي هناك أكثر من عشرين حزباً سياسياً مماثلاً في أوروبا، خاصة في إيطاليا وبولندا والنمسا وهولندا والمجر وفرنسا والدانمارك والتشيك وغيرها، وتسعى هذه الأحزاب إلى تشكيل جبهة سياسية واجتماعية نشطة في أوروبا تطرح شعاراً بديلاً، وتعارض منظومة الاتحاد الأوروبي، باعتبارها منظومة «للبيروقراطيين والصرافين والمحافظين وزوارق المهاجرين والنخبة وليست للمواطنين»، كما يقول (سالفيني) زعيم اليمين القومي المتطرف في إيطاليا ونائب رئيس وزرائها.
ومن المتوقع أن تشكل هذه القوى الشعبوية القومية تحالفاً قوياً في البرلمان الأوروبي، يكون له تأثيره في مستقبل المنظومة الأوروبية، وفي علاقات أوروبا مع أقليات مسلمة فيها.
في تسعينيات القرن الماضي كان مصطلح «نهاية التاريخ» هو الأسوأ في مصطلحات الكثير من اللغات الليبرالية الغربية، كانت في عجلة من أمرها، ولم ينجح هذا المصطلح وتراجع صاحبه ومن صفق له، ودخل زوايا تاريخ المصطلحات الزائفة.
في الثمانينيات، أطلقت (تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا شعاراً مماثلاً، مؤداه «ليس هناك من خيار بديل»، وهي بذلك أغلقت خيارات المواطن البريطاني، وكذلك الحال في عام 2016 حينما دخل مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) مصطلحات كل اللغات الحية ونصف الحية، ووصفه أوروبيون بأوصاف تثير القلق والاضطراب في العلاقات الدولية.
وحينما انتخب أمريكيون (إنجيليون) متطرفون وآخرون ساخطون في ولايات الحزام الإنجيلي البيضاء رونالد ترامب رئيساً لأمريكا، كانوا بذلك يعززون شعبويات متطرفة نزقة، ويفرزون مصطلحات فجة في اللغة الإنجليزية وهو (دعونا نبني جدراناً).
نستحضر الكثير من مصطلحات سمجة وتغريدات عجولة خفيفة الوزن والعقلانية تصدر عن ساسة ومثقفين، يمكن إدراجها في قائمة الكلمات الأكثر سوءاً، المستخدمة على الأقل في اللغات الست المعتمدة في أدبيات ووثائق الأمم المتحدة.
نتذكر مثلاً، مصطلح (صفقة) بأبعاده التجارية، كبديل وحيد لتسوية أزمة بشر وحقوق مشروعة وإرث تاريخي وحقوق إنسان.
كما نتذكر مع أبناء وبنات فلسطين مصطلحات قميئة وسمجة تتردد على ألسنة طويلة لساسة ونخب وكتّاب.. والأمثلة كثيرة عن مصطلحات مملّة، تعفّنت مع الزمن وأغلقت الأبواب، أمام توليد خيارات بديلة لمصطلح شهير يقول باللهجة الفلسطينية (ما عنديش بديل).
ومن مخاطر هذه المصطلحات أنها تغذي الإعياء السياسي، والإحباط لدى الناس، وتفتح الطريق أمام «إنتاج غفلة العقول، وفي الوقت نفسه إنتاج الوحوش».
الحكم المطلق أو السلطة المطلقة في أي مكان في العالم بقدر ما هي مفسدة مطلقة فإنها تقلص خيارات المجتمع، وحينما يكون الشأن السياسي وغيره من الشؤون موضوعاً للنقاش العام يصبح الحيز مفتوحاً للتفكر في البدائل والخيارات الضرورية.
وينطبق ذلك أيضاً على لعبة السياسة الدولية التي يزعج سادتها، توفر خيارات بديلة أمام الدول والشعوب، وهي الخيارات التي يمكن لها أن تساعد على الخروج من الحالة المفزعة للفوضى الدولية الراهنة.
الخيارات والبدائل هي جوهر مفاهيم التعدد والتنوع، التي يبدو للعالم أنه يرقص على أناشيدها وموسيقاها.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة