"أبوالعبسي" يبكي أسرته تحت أنقاض زلزال سوريا.. "لم يعد للحياة طعم"
لم يكن يعلم العم عمر أبوالعبسي أنه سيفقد دفء أسرته في أقسى أيام الشتاء برودة في سوريا.
وباتت أكثر أمانيه خيمة تجمعه وما تبقى من أسرته التي قضى غالبيتها في الزلزال المدمر شمال غرب سوريا صباح الإثنين.
لم تكن سنوات النزوح عن بلدته معرة النعمان جنوب محافظة إدلب منذ 3 سنوات كفيلة بإنهاء أحزانه، بل يجب أن تحل قارعة بأسرته الفقيرة كل مدة من الزمن حتى تبقي قلبه يتذوق مرارة الحياة وقسوتها.
يقول العم عمر أبوالعبسي لـ"العين الإخبارية": "منذ العام 2011 وحتى العام 2020 عشنا تحت رحمة الحرب، وما حملته من سموم وأوجاع أخذت ما أخذت من أقاربي وخلاني حتى جاء النزوح والبعد عن الديار في العام 2020، وما فيه من مرارة وعلى مضض سكنت وأسرتي في بيت على العظم الذي لا توجد به شبابيك ولا أبواب ولا حتى منافع مجهزة".
وغير بعيد عني حط أخي وأسرته رحالهم في منزل مشابه، وعلى الرغم من رداءة تلك المنازل وجدناها جنة، حيث بقينا أنا وأخي قريبين من بعض نتقاسم الأوجاع والأفراح، إلا أن تلك الافراح لم تدم طويلا لتنتهي بحدث لم يكن بالحسبان.
يعيش أبوالعبسي وشقيقه في حي القصور بمدينة سلقين في طوابق علوية من أبراج سكنية غير مجهزة بوسائل أمان أو مصاعد، حيث ما زالت أغلب الشقق السكنية فيها غير مكسوة بسبب إقامة النازحين بها واستئجارهم لها منذ مطلع العام 2020.
أغلب تلك المباني بنيت في سنوات غياب الرقابة ووجود المؤسسات والدراسات المرتبطة بالبناء والتوسع العمراني؛ إذ بانت هشاشة تلك الأبنية عندما ضرب الزلزال صباح يوم الإثنين جنوب تركيا وامتدت تأثيراته المباشرة لمدينة سلقين التي سقط فيها 30 برجا سكنيا كان يسكنها مئات الأشخاص ومنهم نازحين من الحرب كحال العم أبو العبسي.
يتلعثم أبوالعبسي في الكلام ويكاد يضع يديه في النار المشتعلة أمامه في ليلة تدنت درجة الحرارة فيها إلى 3 تحت الصفر، حين قال: "فقدت أعز ما أملك، عائلة أخي جميعها جراء الزلزال ولا أعلم كيف ستمضي الحياة دونهم وكيف ستكون أيامي المستقبلية دون أن أجتمع وعائلة أخي ونتبادل الأحاديث والضحكات التي تنسينا أوجاع النزوح والبعد عن الديار".
وتساءل في حُزن: لماذا أخي وعائلته قضوا في هذا الزلزال؟ ألا يكفينا ما حل بنا على مدى السنوات الماضية؟ هل بقيت أنا لأتوجع طوال حياتي؟
جهود لإنقاذ المنكوبين
لليوم الرابع على التوالي تعمل فرق الدفاع المدني بمساعدة من الأهالي على استخراج المفقودين تحت الأنقاض التي سببها الزلزال باستخدام معدات تقليدية ووسط غياب الدعم الدولي واللوجستيات واللوازم الخاصة لمثل هكذا حدث؛ إذ اضطر الأهالي للعمل بأيديهم وسط المباني وعلى أنقاضها منذ الساعة الأولى للزلزال وتحت الأمطار بغية العثور على ناجين أو حتى جثامين أحبائهم التي تكدست عليها أطنان الكتل الخراسانية.
وأمام خيمته التي أعدت على عجل وصف العم أبوالعبسي حاله وحال أبنائه المزرية والحطمة والمتعبة جراء عملهم لأربعة أيام متواصلة بغية استخراج المفقودين من عائلة شقيقه.
ويقول مع كل ضربة مطرقة كنت أترغب في سماع صوت شقيقي أو أحد أبنائه من تحت الأنقاض حتى نخرجه حيا، لكن يبدو أن الفراق حصل وانقطعت صلتنا عن بعضنا بالموت الذي لم يكن رحيما.
وتابع: "لم أكن أتصور يوما أنني سأعمل لـ4 أيام متواصلة وتحت الأمطار والهواء البارد والصقيع لاستخراج جثامين أحبائي التي خرج أحدهم إربا. جفت دموعي وخارت كل قواي ولم يعد للحياة طعم أو لون. حتى منزلي الذي كان يؤويني وعائلتي تصدع ولم يعد صالحا للسكن، وها أنا ذا أعود لأسكن في خيمة لا يوجد فيها ما يقي أبنائي وبناتي البرد أو يوفر لهم الأمان؛ فلا أغطية ولا ماء ولا طعام.
وواصل حديثه: "لم يأت أحد لمساعدتنا بشيء فقط خيمة نصبت على أرضية باردة وسط هواء ينخر العظام ولا دفء لنا سوى هذه النار التي أشعلناها من بعض حطام المنازل وأطلب من الله أن يسامحنا إذا لم تكن هذه الخشبة التي أقي وأسرتي بها البرد من حقنا، وفي النهاية لم أعد أدري، يبدو أن القلب سيتعود على الوجع الأبدي ولم أعد أتوقع مفاجأة؛ فالذي جرى خلال الأيام الـ4 الماضية كفيل بأن يبقى لدي مخزون حزن لسنوات طويلة".
aXA6IDE4LjIyNS45NS4yMjkg جزيرة ام اند امز