خبراء في ملتقى أبوظبي: العالم نحو سيناريوهات تغير قواعد اللعبة
لا يبدو أن الأزمة الأوكرانية الحالية عابرة، فهي وإذ تخطو نحو الشهر التاسع تنذر بمخاض كبير لتغير قواعد السياسة الخارجية للدول.
تلك الأزمة كانت حاضرة على طاولة الجلسة الثانية من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي في نسخته التاسعة، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، سبر خلالها خبراء ومسؤولون أغوار الأزمة، لمعرفة رؤى روسيا وأوكرانيا، ومآلات الحرب الجارية، طبقا لأجندات الدول الأطراف.
وتباينت آراء الخبراء حول مآل الأزمة الأوكرانية، في تباين ظهر أكثر في استشراف المستقبل، وما ستبقى عليه دول العالم، في السنوات القادمة.
وهيمنت أزمة أوكرانيا في البداية على مداخلات الخبراء، فالمدير العلمي لكلية الاقتصاد الدولي والشؤون الخارجية التابعة للمدرسة العليا في الاقتصاد بموسكو سيرجي كاراجانوف، قال إن الحرب الجارية مرشحة للاستمرار، إلى أن تتحق نتائج إيجابية، بتسوية سياسية بين موسكو وكييف.
أهداف روسيا
وعن أهداف روسيا المرسومة منذ انطلاق العملية في فبراير/شباط الماضي، قال إنه كان هناك مطالبة من روسيا لوقف تمدد حلف شمال الأطلسي، مشيرا إلى أن هذا المسعى وصل إلى منتصف الطريق بطلب الحياد من أوكرانيا.
وأضاف: وصلنا لملتقى طرق لا يعطينا الصورة الكاملة، والتي تتضمن ما إذا كانت روسيا ستواصل المكاسب، أو ستتوالى انتصاراتها في أوكرانيا، لكن إذا حدث ذلك فالنخبة الروسية سيكون لها رأي آخر.
كاراجانوف قال إن روسيا الآن أصبحت في وضع صعب لم تعشه قبل عقد ونصف، وعليها إعادة النظر في المجال الاقتصادي، وأن تتخذ قرارات مصيرية، مشيرًا إلى أن موسكو "ناجحة" في بعض المسارات.
وفي محور تغير العالم بسبب الأزمة في أوكرانيا، لا يوافق الخبير الروسي شركاءه في الجلسة، قائلا: "لا أتفق معه، وقد لا أتفق مع تشكل العالم بعد هذه الأزمة"، لكنه يعود ويستشرف المستقبل بعيدا عن الأزمة الأوكرانية.
وقال إن الولايات المتحدة ستنكمش لكن تبقى فاعلة، وستصبح الصين في العالم الجديد الرقم الأول، أما روسيا فستكون من بين الوسطاء في العالم، وستتلاشى أوروبا.
صعود منتظر
وتحدث الخبير الروسي عن صعود منتظر في تشكل العالم الجديد لدول لخليج وإندونيسيا، ودول بقارة أفريقيا، على أن تكون هذه الدول في الجنوب صاحبة القرار في المستقبل.
وشدد على "فرادة وتميز خاص" للصين، فبعد 50 عاما ستكون اللغة الصينية مثل الإنجليزية الآن، وستتحول الأخيرة إلى لغة يتحدث بها أقلية في العالم، مضيفا أن العالم سيكون متعدد الأطراف، في ظل تقدم الصين، فيما ستحافظ روسيا على لعب دور الوسيط في النزاعات بين الشرق والغرب.
ودلّل الخبير الروسي على ما ذهب إليه بالتغيرات التي حدثت في مشهد الطاقة، حين خدمت عدم الموافقة على زيادة إنتاج النفط، روسيا كثيرا.
من جابنه، قال رئيس مجلس إدارة "مجموعة أوراسيا" كليف كوبتشان في مداخلته إن دعم الغرب لأوكرانيا سيتواصل، مشيرا إلى أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أعادت للرئيس جو بايدن الثقة بنفسه، خصوصا مع تلاشي عودة دونالد ترامب.
سياسة واشنطن
لكن سياسة واشنطن وفق الخبير الأمريكي تنتهج تصعيدا تدريجيا، وستقدم أسلحة على شكل جرعات لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن واشنطن تواصل اتباع سياسة الردع مع الرئيس فلاديمير بوتين حتى يتوقف في وقت ما، في نهج اعتبره "مفيدًا" لكنه محفوف بالمخاطر في ظل الجهل بالخطوط الحمراء لروسيا.
وتابع كوبتشان أن بوتين قد يلجأ إلى الأسلحة النووية وهذا مقلق، مشيرًا إلى أن هناك تغيرًا في السياسات الغربية حتى داخل الولايات المتحدة، لا سيما مع تأثير الانتخابات التمهيدية المرتقبة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مما يجعل السياسة الأمريكية غير ثابتة.
وحول الأزمة الأوكرانية شدد الخبير الأمريكي على ضرورة الإلحاح في أن تعود روسيا إلى وضع ما قبل 24 فبراير/شباط الماضي، تاريخ بداية العملية الروسية في أوكرانيا، بما فيه التخلي عن الأراضي التي ضمتها.
وحول صراع القطبية، يعترف كوبتشان أن الصين وأمريكا أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وأنهما على رأس الثنائية القطبية، التي يعد أهم ما فيها التجاذب الحاصل، والمتمثل في التنافس التكنولوجي، خاصة أزمة الرقائق، وتعطل سلاسل الإمداد، إلا أنه قال إن هذا سيتغير بصعود قوى متوسطة.
الثنائية القطبية
الثنائية القطبية التي يتحدث عنها الخبير الأمريكي ستبقى برأيه لوقت طفيف، مشيرا إلى أن روسيا أضعفت نفسها، وستدفع قيمة ضريبة العقوبات الغربية على مدى فترة زمنية قادمة، بمزيد من التراجع على الساحة الدولية.
ولفت الخبير الأمريكي إلى أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت أقل ارتباطا بالولايات المتحدة، ومع بايدن تغير التعاطي وأخذت دول مثل الإمارات والسعودية خياراتها الخاصة.
ثالث المتحدثين في الجلسة الدكتور أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، والذي تطرق لدور الصين العالمي والقوى الأخرى مثل الهند وشمال أفريقيا.
وأكد أن الصين عبرت عن رغبتها في لعب دور عالمي، مشيرا إلى أنها مستفيدة من الوضع الحالي، وتلح على التعامل معها بندية خصوصا من الولايات المتحدة.
وفي استشرافه لمستقبل العالم بعد عقد من الزمن، تنبأ كورتونوف بحدوث مشكلة بين الشمال والجنوب، في أفريقيا وجنوب آسيا، قائلا إن "المستقبل سيشهد صراعا بين الطرفين على الموارد".
ومتحدثا عن نظرة الروس للصين، قال كورتونوف إنهم يفتخرون بأن روسيا قوة نووية، وأن لديها قدرات نووية أكثر من بكين رغم امتلاك الأخيرة تقدما في المجال العسكري.
علاقة جيدة
وتابع: "لا نعلم ما سيجلبه المستقبل، لكن علاقة بوتين وشي جين بينج جيدة، وسيعمل القائدان على احتواء أي أزمة بين البلدين، ولن يسمحا للآخرين بالإضرار بها".
وعن الخيار الذي يجب أن تتخذه روسيا، أوضح أنه ليس التوجه إلى الشرق أو الغرب، بل هو الاختيار بين الانعزالية المفروضة قسرا، ومشاركة الآخرين.
ويرى كورتونوف في هذا السياق أن الولايات المتحدة بدأ دورها يخفت، وصفتها كضامن أمني بمنطقة الشرق الأوسط محل تساؤل، لكن ليس هناك بديل جاهز، مشيرًا إلى أن روسيا ليست لها موارد ولا نوايا لتكون الضامن الجديد، لكن ستكون على تنسيق مع الصين لتملأ أي فراغ تتركه واشنطن.
ويعتقد كورتونوف أن دولة الإمارات قد تلعب دور الوسيط مع إيران، وهو ما سيسهم في استقرار المنطقة الواعدة بالاستثمار في الموارد المتوفرة.