صحيح أن هذه القمة روحانية ولا ترتبط مباشرة بالسياسة بمفهومها العصري في ظاهرها، لكنها السياسة بعينها.
ليس من الغريب أن يختار الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والحبر الأعظم بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس مدينة أبوظبي لكي تكون مركز انعقاد هذه القمة الفكرية استجابة لدعوة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وترتكز هذه القمة على سبر المعتقدات الدينية وتبسيطها وتوضيحها للآخر، الذي يمكن أن يكون من أتباع ديانات أخرى غير الإسلام والمسيحية، ولم يكن ليقبل أي من البابا فرنسيس أو الإمام الطيب أن ينعقد الملتقى في الإمارات لولا أنها "أرض تسامح" ترفع راية السلام الفكري والعقائدي وتنفق الغالي والنفيس من أجل أن ترفرف هذه الراية عالياً ليحل السلام على عالمنا.. هذا يعني أن رصيد البلاد وقادتها ممتلئ بالقدر الكافي لتحظى هذه الأرض الطيبة بشرف عقد القمة الإنسانية .
مناسبة كهذه تعني أن الإمارات تملك ثقلاً على المستوى الدولي يخول لها أن تكون وجهة ومنصة عالمية لتَجْمَع الناس على كلمة سواء، كيف لا وهي البلد الوحيد الذي يجمع على أرضه أكثر من 200 جنسية، وشعبه أحد أكثر شعوب العالم سعادة، وجوازه يحتل المرتبة الأولى عالميا؟
ما يسر الخاطر ويبهج القلب أن العمل في مضمار كهذا غالبا ما يتم العمل عليه في السر، خشية أن يحدث أي طارئ يؤثر على الحدث، إلا أن هذه المناسبة تم الإعداد لها منذ وقت طويل وبشكل علني، وتحديداً منذ أن سجل الشيخ محمد بن زايد زيارته الأولى للفاتيكان منذ أكثر من عامين.
لقد تم الإعلان عن القمة قبل أسابيع من موعدها، على الرغم من أنها مناسبة مستجدة على أجندة الزعيمين ومؤسساتهما، ثم إنه تم التمهيد لهذه القمة من قبل عدد كبير من المؤتمرات والملتقيات المماثلة في السنوات والأشهر الماضية، مما يعني أن تتوج تلك الملتقيات بلقاءات دورية على شاكلة هذه القمة التي تبحث في الأخوة الانسانية وتعيد ترتيب حقوقها وواجباتها.
من يبحث عن تفسير سياسي لهذا التطور المستجد على الأجندة العالمية سيجد الكثير. إن مناسبة كهذه تعني أن الإمارات تملك ثقلاً على المستوى الدولي يخول لها أن تكون وجهة ومنصة عالمية لتجمع الناس على كلمة سواء، كيف لا وهي البلد الوحيد الذي يجمع على أرضه أكثر من 200 جنسية، وشعبه أحد أكثر شعوب العالم سعادة، وجوازه يحتل المرتبة الأولى عالمياً، ومشاريعه الخيرية والإغاثية لا تعرف سوى الإنسانية دستوراً.
لابد أن نهنئ الشيخ محمد بن زايد وفريق عمله مرتين؛ الأولى على نيل شرف المبادرة بالزيارة أولا، والثانية لعقد هذه القمة الدينية في أعلى مستوياتها قبل أي زعيم في العالم. وبالتالي فقد نجح في إذابة جدار الجليد الذي يعتري الإنسانية، والذي يتسبب في إخضاع بني البشر بعضهم البعض للتقييم والتصنيف بناء على الدين. قال تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. » صدق الله العظيم. آية تأويلها لا يحتاج لمفسرين، حيث لم يُشترط دينا أو عقيدة ليتعرف إنسان على آخر، والتعارف يقتضي التعامل بندية وجعل معيار التصنيف والتقييم عنده تعالى في قوله: «عند الله». هذا هو دين الإسلام؛ دين السلام والإخاء والتسامح، وهو الدين الذي لا يعرف تعقيداً في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان. لكنها الطبيعة البشرية منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل ثم ندم على ذلك.
إن مجرد تداول أخبار هذه القمة الإنسانية يبعث الطمأنينة في المرء، حيث لابد أن أحدنا أدرك يوما بأن هناك خطبا في تقوقع قادة الفكر والدين الإسلامي والمسيحي واليهودي أيضا على أنفسهم بدل التمتع بالجرأة لتصويب كثير من المغالطات والتفسيرات المَعيبة والمزيفة، وبالكاد ما يكون كل ما مرت به البشرية في تلك الأزمنة من ظلم وقهر وقمع باسم الدين كان نتيجة اجتهادات لقيادات دينية كانت تأمل حظًّا من الدنيا. ولكن عاد العالم ينشد السلام والإخاء ويبحث عنه في ذات المراجع العقدية التي استخدمت يوماً لقتل الآخر باسم الدين.
صحيح أن هذه القمة روحانية ولا ترتبط مباشرة بالسياسة بمفهومها العصري في ظاهرها، لكنها السياسة بعينها، فمنذ الأزل كان لرجال الدين تأثيرهم المباشر على المجتمعات والشعوب، وبالتالي على سياسات بلدانهم، وهذا التأثير لم يعد كما في السابق نتيجة لتقصير منهم، وقد حان الوقت لتستعيد القيادات الدينية تلك الثقة بما يخدم مصالح البشرية جمعاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة