خلال أقل من أسبوع، وصل أبوظبي قادة حكومات الهند خامس أكبر اقتصاد عالميًا، واليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وتركيا. في زيارات رسمية تعكس التقاء مصالح استراتيجية لدول بارزة في مجموعتي الدول السبع وبريكس، لتعميق علاقاتها مع دولة الإمارات.
وأفضت زيارة رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودي" إلى اتفاقيات مهمة، كان أبرزها استخدام العملات المحلية (الدرهم والروبية) في المعاملات التجارية، وربط أنظمة الدفع المالية لدى البلدين، عبر إلغاء التحويلات بالدولار، ما سيخفض التكاليف، وسيعزز من الوصول للتبادل التجاري المستهدف بمئة مليار دولار بحلول عام 2030.
وسيسهم في تقوية مركز الإمارات التجاري في ظل تباطؤ التجارة العالمية، خصوصا لو علمنا أن الهند هي ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وتستورد دول الخليج من سلالها الغذائية بين 80-90%.
وتتجاوز زيارة مودي الإطار الثنائي إلى التعاون الشامل، على نطاق "مجموعة بريكس" التي ستعقد قمتها المقبلة في دوربان بجنوب أفريقيا، وسط تحديات عالمية على إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات غربية على روسيا، تسببت في زيادة جاذبية "بريكس"، فالعالم يبحث عن تأمين مصالحه الاقتصادية والأمنية.
أسست "بريكس" بنك التنمية الجديد على غرار النظام المالي الغربي، والمشاورات مستمرة حول استحداث عملة جديدة لتنفيذ الصفقات والتبادلات بين دول بريكس بشكل أولي، عبر عملة جديدة أو مرجعية، وقد يكون الطرح الأمثل هو الاعتماد على عملة ثابتة ومستقرة، وتحظى بثقة الأطراف كافة، بما فيها المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لتكون عملة مبادلات دولية.
وقد يكون الدرهم الإماراتي إحدى العملات المرشحة، ليكون عملة بريكس الرسمية، فدولة الإمارات تملك علاقات متوازنة مع مختلف مكونات النظام الدولي المحورية، بمصداقية كبيرة اكتسبتها من خلال سياساتها الخارجية الشفافة، وتعد بقوتها الناعمة وموقعها، وتجارتها واستثماراتها، وموانئها ومطاراتها وشبكات طيرانها، بمثابة جسر العبور المركزي المناسب للعالم بأسره.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء الياباني "فوميو كيشيدا" في توقيت يتزامن مع استضافة دولة الإمارات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لقمة المناخ COP28، واليابان تبحث عن تعزيز الشراكة، خصوصا لو علمنا أن دولة الإمارات تعتبر الشريك التجاري العالمي السابع والأول عربيا لليابان، بصادرات تصل إلى 40% واستثمارات تصل إلى 42%، وهو ما يفسر وجود أكبر جالية يابانية في الشرق الأوسط بدولة الإمارات، ومقر المكتب الرئيسي لمنظمة السياحة الوطنية اليابانية في دبي.
كما تعتمد اليابان على 95% من واردات الطاقة من الشرق الأوسط، تحديدا بعد بدء الأزمة الأوكرانية، وتستورد 80% من إمدادات النفط الخام من دولة الإمارات والسعودية، وهو ما يجعل "كيشيدا" حريصا على إبقاء إرث الراحل رئيس الوزراء الياباني السابق "شينزو آبي"، الذي حافظ على علاقات متينة مع دول المنطقة المحورية.
ويزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دولة الإمارات في لقاء يعتبر الثاني مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال نحو شهرين، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها تركيا، حيث فقدت الليرة 80% من قيمتها أمام الدولار خلال 5 سنوات، ما استدعى توجهات اقتصادية جديدة، وتغييرات في فريق الوزراء، ولو كانت ضمن الدائرة المقربة لأردوغان.
وتستهدف زيارة أردوغان جذب أكبر قدر من الاستثمارات، تصل إلى 40 مليار دولار في الأصول المحلية، وصناعات الدفاع والبنية التحتية والفوقية، من أجل الخروج من الأزمة المالية، التي تعانيها تركيا والتي تعتبر الشريك التجاري العاشر لدولة الإمارات، والتي بدورها ضمن أبرز 15 مستثمرا في تركيا.
وتؤكد التحولات الاستراتيجية الأخيرة، أن تركيا أدركت الفائدة الكبيرة من تصفير المشكلات بالمنطقة.
ولعبت استباقية دولة الإمارات دورا مؤثرا في تحسن العلاقات العربية-التركية، حين استطاعت تمهيد أجواء تصفير المشكلات في المنطقة، بعد سنوات من الخصومة مع أنقرة، لتتحول الخصومة إلى شراكة استراتيجية براغماتية شاملة، فالسياسة الواقعية الصادقة، كفيلة بتحويل الخلافات إلى فرص ومكتسبات.
كان جدول العاصمة أبوظبي مزدحما هذا الأسبوع، بزيارات رفيعة المستوى، ما يعكس مكانة دولة الإمارات، بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لتصبح مقصد قادة العالم، الباحثين عن جسور السلام والازدهار والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة