رحلة الرسوم المسيئة.. بدأت بإهانة الرسول وانتهت بجثة متفحمة
استيقظ العالم الإسلامي على نبأ وفاة السويدي لارس فيلكس متفحما داخل سيارته، بعد سنوات من إشعاله غضب الملايين برسومه المسيئة للرسول محمد.
"الشماتة"، التي لم يستطع كثيرون إخفاءها من مصير الرسام التشكيلي تبدو مبررة في نظر كثيرين، ومنطلقها عدم احترامه للرمز الديني المهم لديانة يمثل أصحابها ربع سكان العالم بواقع 1.9 مليار مسلم، طبقا لآخر دراسة أجريت في هذا الإطار.
وبغض النظر عن عدد من جرحت مشاعرهم لإهانة رمزهم الديني، فإن التخطي في حق إنسان دون مبرر لذلك لا يصدر عن شخص سوي نفسيا يتصف بالإنسانية، وفقا لرؤية منتقديه.
فيلكس ليس الوحيد الذي أثارت رسومه استياء العالم الإسلامي، إذ رافقه في رحلة العداوة مع المسلمين الرسام الدنماركي كورت فيسترجارد، وإن كان الأخير بدأ المشوار من قبله.
"العين الإخبارية" تستعرض رحلة الرسوم المسيئة، كيف بدأت وإلى ما انتهى مصير أصحابها.
بداية أزمة الرسوم المسيئة
قد يعتقد البعض أن أزمة الرسوم المسيئة للرسوم محمد بدأت على يد السويدي لارس فيلكس عام 2007، لكن الحقيقة أن الدنماركي كورت فيسترجارد أشعل فتيل الأزمة أولا برسوماته المسيئة عام 2005.
تشجع الرسامين على نشر أعمالهما المسيئة للرمز الإسلامي، ونشرت صحيفة "جيلاندس بوستن" Jyllands-Posten ، أكبر صحيفة يومية في الدنمارك، في 30 سبتمبر/أيلول 2005، نحو 12 رسماً كاريكاتورياً تحريرياً مسيئا بعنوان "محمد أنسيجت" (وجه محمد).
وبررت الصحيفة، آنذاك، بأن "هذه كانت محاولة "للمساهمة في الجدل الدائر حول نقد الإسلام والرقابة الذاتية".
وكتبت: "المجتمع العلماني الحديث مرفوض من قبل بعض المسلمين. إنهم يطالبون بمكانة خاصة ويصرون على إيلاء اعتبار خاص لمشاعرهم الدينية. إنه يتعارض مع الديمقراطية المعاصرة وحرية التعبير، حيث يجب أن يكون المرء مستعدًا لتحمل الإهانات والسخرية".
وأضافت: "نحن في طريقنا إلى منحدر زلق حيث لا يمكن لأحد أن يخبرنا كيف ستنتهي الرقابة الذاتية. لهذا السبب دعت (جيلاندس بوستن) أعضاء نقابة رسامي الكاريكاتير الدنماركيين لرسم محمد كما يرونه".
تصرف الصحيفة الدنماركية المسيء لسيدنا محمد أشعل نار الغضب في العالم الإسلامي، بين احتجاجات ومقاطعات وغيرهما، لترد صحف أوروبية أخرى بإعادة نشر الرسوم المسيئة، خاصة من هولندا وألمانيا وفرنسا ورومانيا وسويسرا، وتفتح الباب لتعميق الأزمة.
تفاقم أزمة الرسوم المسيئة في 2006
قاد الدنماركي كورت فيسترجارد المسيرة المسيئة للنبي محمد، إذ نشرت الصحيفة الدنماركية ذاتها في 12 سبتمبر/أيلول 2006 رسوما مسيئة للرمز الإسلامي من توقيعه، بعد نحو عام من نشر رسومها الأولى التي أيضا كان بعضها تحمل اسمه.
ليس هذا وحسب، إذ أعادت صحيفة "مجازينات" النروجية في 10 يناير/كانون الثاني 2006 بإعادة نشر الرسوم، تلى ذلك في 1 فبراير/شباط من العام ذاته إعادة صحيفة "فرانس سوار" الفرنسية، وصحيفة "دي فيلت" الألمانية، وصحيفتا "إيه بي سي" و"البريوديكو" الأسبانيتان نشر الكاريكاتير المنتقد بدعوى "حرية التعبير".
دور السويدي لارس فيلكس جاء في عام 2007، بالتحديد يوم 18 أغسطس/آب عندما نشرت الصحيفة السويدية "نيريكس اليهاندا" رسم مسيء للنبي محمد من توقيعه.
لم يمر شهر حتى أصدر أبوعمر البغدادي، أمير تنظيم "داعش" الإرهابي، في 15 سبتمبر/أيلول 2007، رسالة صوتية أهدر فيها دم فيلكس لأنه "تجرأ على مقام نبينا عليه الصلاة والسلام"، معلنا عن "جائزة قدرها 100 ألف دولار لمن يقتل هذا الرسام المجرم، وترتفع إلى 150 ألف دولار إذا ذبحه ذبح النعاج".
كما أعلن عن "جائزة قدرها 50 ألف دولار لمن يأتي برأس رئيس تحرير الجريدة".
ومنذ عام 2007، برافق الرسام فيلكس في جميع تحركاته حراسا من الشرطة لحمايته من التهديدات التي يواجهها بسبب رسومه المسيئة للمسلمين.
محاولات اغتيال أصحاب الرسوم المسيئة
تلقى رسام الكاريكاتير كورت ويستيرجارد العديد من التهديدات بالقتل ردا على أعماله المسيئة للنبي محمد، فعاش تحت حماية الشرطة الخاصة حتى وفاته في عام 2021.
في 1 يناير/كانون الثاني 2010 استخدمت الشرطة الأسلحة النارية لإيقاف قاتل محتمل في منزل الرسام، وفي فبراير/شباط 2011 حُكم على المهاجم بالسجن 9 سنوات.
أيضا تعرض ويستيرجارد لهجوم في الولايات المتحدة من قبل ديفيد هيدلي وطاهر حسين رنا، وحكم عليهما في عام 2013 بعد إدانتهما بالتخطيط للإرهاب.
أما في 11 مايو/أيار 2010، تعرض لارش فيلكس لاعتداء خلال محاضرة في جامعة أوبسالا، حيث انقض شاب مسلم عليه وأشبعه ضربا ولكما وكسر نظارته، رغم وجود حشد كبير من الشرطة المدنية والسرية.
وفي 2009، اعتقلت الأمريكية كولين لاروز التي تلقب نفسها باسم "جهاد جين" في الولايات المتحدة مع 7 أشخاص آخرين للاشتباه بالتخطيط لقتل فيلكس، واعترفت بذنبها في تهم الإرهاب وتواجه السجن المؤبد
في 14 مايو/أيار 2010، حاول أفراد إضرام النار في منزل لارش فيلكس الواقع ببلدة "نيهامنسلا" في جنوب غرب السويد، وقتها لم يكن الرسام في منزله ولم يعلم بالحريق إلا صباح اليوم التالي، وأفادت الشرطة بأنه خلّف أضراراً طفيفة، وفقا لوكالة TT السويدية للأنباء.
وفي فبراير/شباط 2012، تعرض فيلكس للرشق بالبيض خلال إلقائه محاضرة في جامعة كارلستاد السويدية، من الحضور الغاضب، أثناء حديثه عن الرسوم المسيئة للنبي وحرية التعبير، وفقا لوسائل إعلام سويدية.
في مارس/آذار 2013، نشر تنظيم القاعدة في العدد الأخير من مجلته الإلكترونية الصادرة باسم Inspire بالإنجليزية لائحة "مطلوب حيا أو ميتا"، ضمت 10 كان من بينهم اسم الرسام لارش فيلكس.
في فبراير/شباط 2015، تم استهداف فيلكس في هجوم مسلح في كوبنهاجن خلال مناظرة حول حرية التعبير ، حيث قُتل مخرج سينمائي دنماركي.
وفقا لتقرير صحيفة "الجارديان" الصادر بتاريخ 14 فبراير/شباط 2015، فإن "فيلكس لطالما يعرف أنه هدف رئيسي، ويعيش مع تهديد يومي لحياته ويخطط لأنشطته بدقة، مع التركيز بشكل كبير على الأمن الشخصي".
وذكر التقرير أنه "بمنزله في السويد، يتمتع بحماية الشرطة المسلحة على مدار الساعة، وأثناء وجوده في الدنمارك يسافر مع حراس شخصيين من جهاز الأمن السويدي".
بعد الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس 2015، طلب فيلكس تعزيز الأمن من حوله، ومع ذلك أثبتت الأحداث في مقهى كوبنهاجن أن أفضل حماية لن تكون كافية أبدًا لمنع المأساة.
وقالت الصحيفة: "مساء السبت لم يساوره أدنى شك في دوافع المسلح، الذي خلف قتيلا و3 من ضباط الشرطة. كان القصد قتله".
علق فيلكس على الحادث في مقابلة هاتفية مع وكالة "أسوشيتد برس"، قائلا إنه يعتقد أن الهجوم "مستوحى من شارلي إيبدو"، في إشارة إلى هجوم الشهر الماضي من قبل متطرفين إسلاميين وأسفر عن مقتل 12 شخصًا في المجلة الفرنسية الساخرة في باريس.
نهاية أصحاب الرسوم المسيئة للرسول
استيقظ الملايين من المسلمين، الإثنين، على نبأ وفاة الرسام السويدي متفحما داخل سيارته وبرفقته اثنين من الشرطة.
ووفقا لبيان الشرطة السويدية، لقي فيلكس حتفه في حادث سيارة قرب بلدة ماركارد الجنوبية الأحد، عندما كان مسافرا بسيارة شرطة اصطدمت بشاحنة.
وذكر البيان أن النيران اشتعلت في السيارتين عند الاصطدام، كما أصيب سائق الشاحنة بجروح خطيرة ونقل إلى المستشفى.
وقالت الشرطة: "هذا حادث مأساوي للغاية ونبذل قصارى جهدنا للتحقيق فيما حدث وما سبب الاصطدام، لكن في البداية لا يوجد شيء يشير إلى تورط أي شخص آخر".
أما رسام الكاريكاتير الدنماركي كورت ويسترجارد، فقد سبقه وتوفي بعد صراع طويل مع المرض في يوليو/تموز 2021 عن عمر ناهز 86 عاما، وفقا لصحيفة "بيرلينجسكي".
وذكرت الصحيفة الدنماركية أن الرسام تلقى عدة تهديدات بالقتل وكان هدفا لمحاولات اغتيال، ورفم أنه في البداية اختبأ لكنه قرر بعد ذلك أن يعيش علانية في منزل محصن بشدة.
الرسام الدنماركي كان يعيش في سنواته الأخيرة مع حارس شخصي في عناوين سرية، وفي حديثه لوكالة "رويترز" للأنباء عام 2008، قال إنه "لا يشعر بأي ندم على رسمه".
فارق ويسترجارد الحياة تاركا رصيدا مسيئا من الرسوم الكاريكاتيرية جعلته في مرمى سهام الغاضبين من أعماله التي تجسد الرسوم محمد، وعرضته للعديد من التهديدات بالقتل.
أيضا أدت الرسوم الكاريكاتورية إلى احتجاجات في الدنمارك في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وعرضت السفارات الدنمركية للهجوم ومات العشرات في أعمال الشغب التي أعقبت ذلك.
aXA6IDMuMTcuMTc5LjEzMiA= جزيرة ام اند امز